السبت، 10 سبتمبر 2022

♨ .. يومًا مـا .. 10 .. ♨

 


سلسلة

                                                -         10   -

صـــدمـــــات !




      -   1    -

_ آه لو رأيتني يا سيرين وأنا أركض .. كان منظري مضحكًا

 للغاية ..

نطقت فاتن هذه العبارة وهي تجلس في غرفة الضيافة باستياء

وبجانبها سيرين التي كانت غارقة في الضحك وهي تستمع لما

حدث لها في خروجها الأول قائلة :

_ يإ إلهي .. إنكِ مستحيلة فعلاً !

في حين استطردت فاتن :

_ لستُ أدري كيف أعتذر للسيدتين ؟! تركتهما بمجرد أن سمعت

 الخبر ..تخيلي فقط الوضع .. لا أعرف كيف فعلتُ ذلك ؟! 

تخيلي أن ترحبي بشخص وبمجرد أن يسمع  بأنّه الوقت الذي

 تتاح فيه الشبكة الإلكترونية يتركك دون اعـتبار .. المشكلة 

بأني لم أستفد من الوقت ..فجهازي لم أقم بشحنه منذ ثلاثة 

أيام .. لقد نسيتُ تمامًا الساعات المتاحة .. لذا كان الوقت 

الذي قضيته والشبكة متاحة لا يتجاوز النصف ساعة .. 

ثم وكأنّ رشدي عاد لي بعد توقف الشبكة الإلكترونية !!

نظرت فاتن لسيرين الغارقة في الضحك وهي تحاول أن 

تسيطر على انفعالاتها في محاولة منها لضبط غضبها قائلة :

_ لستُ أرى الأمر مضحكا لهذه الدرجة !

لكنّها أخذت نفسًا ووقفت لتنظر من النافذة وأكملت  :

_  العجيب أني لم أربط الأمور ببعضها .. لم تكن السيدات خارج

المنزل كعادتهنّ مع أنّ الأجواء كانت لطيفة .. حتى "  نارين  " كانت

 متعجبة من توقيت خروجي .. لم تنبهني حتى ! لم تخبرني بأنّه وقت

الشبكة الإلكترونية .. نظرت لها " سيرين " نظرة عتاب قائلة :

_ لا تلقي باللوم على "  نارين  " لا علاقة لها بالأمر ..

كوني منصفة ..

استدارت لتجلس على الأريكة المنفردة ثم تنهدت :

_ معك حق !

نظرت لسقف الغرفة ثم وضعت يدها على رأسها :

_ الأمر ليس هنا أيضًا الحادثة كلها في كفّة  وحين طرقت

إحدى السيدات بابي بعد دقائق من وصولي ..

_ حقًا ؟! من ؟!

غطت عينها بيدها وهي تجيب  :

_ حين فتحتُ الباب تفاجأتُ بسيدة أظنها تكبرني بسنوات

عرّفت بنفسها .

_ من ؟

_ سيّدة تدعى " شيماء " !

_شيماء ! إنّها السيدة في المنزل المقابل لمنزلك ..

_ أجل لقد عرفت ذلك فيما بعد .. جاءت لتطمئنّ عليّ بعد أن رأتني

 أسير بجنون في الطريق ! يا إلهي ، كلما تذكرت الأمر أشعر

بالإحراج الشديد !

رانت لحظة صمت قصيرة قبل أن تقول :

_ اسمعي ، لقد استدعيتك لتخبريني ما علي فعله معهما .. آه إنّها

 المرة الأولى التي تمنيت أن أعـود مراهقة .. على الأقل كانتا

ستعذران تصرفي ..  

في حين ردّت سيرين وهي تحاول أن تكتم ضحكة تكاد تنفلت منها  :

_ أنا آسفة حقًا .. لكن الموقف مضحك ..

كان الوقت عصرًا .. سكبت فاتن مزيدًا من القهوة لسيرين التي

 اعتدلت قليلاً وهي تقول :

_ يؤسفني أن أقول لك بأنّ السيدة فريدة وأمينة دقيقتان جدًا في

الآداب الاجتماعية .. فهما لا تقارنان أبدا بالسيدة آمال  !

_ يا إلهي ماذا عليّ أن أفعل الآن  ؟

غطّت فاتن وجهها بانزعاج بينما كانت سيرين تحاول جاهدة أن

تضبط نفسها ثم قالت لها :

_ اسمعي أظن أنّ عليك أن تتداركي الأمر ..

_ لقد فكرتُ بإرسال ورد وبطاقة اعتذار .. لكن هل تعتقدين أنها

طريقة مجدية ؟

_ إرسال !  اسمعي الكبيرات في السن لا ينظرن لهذه البهرجة ..

 إنّهن يفضلن الاعتذار بطريقة مباشرة وفورًا ..

_ هل تعنين بأنّه علي أن أذهب لهما وأقدم اعتذارًا صريحًا ؟!

_ هذا أقل ما يجب عليك أن تفعليه ..

تنهدت فاتن باستياء :

_ المشكلة بأنّي لم أستمتع بالساعتين المتاحة .. فهاتفي قد نفدت

 منه البطارية .. يعني سأتكلف عناء الاعتذار رغم أنّي لم أقصد

 الإساءة !

_ ألديك حل آخر ؟

_ لا ، حسنا ..

نطقت عبارتها الأخيرة بغيظ واستسلام لا مفرّ منه ..


      -    2    -

قفزت فاتن من مكتبها في الطابق الثاني لتركض بحماس تجاه

صوت رنين الهاتف .. كانت سعيدة بسماع صوت الهاتف المنزلي

والذي نشأت على حديث والديها عنه لكنها لم تسمع رنينه

يومًا في منزلها .. رفعت الهاتف :

_ مرحبا .. أهلا وسهلا .. آه أقصد وعليكم السلام .. سيدة آمال ..

كيف حالك ؟! .. بخير .. لا ، أبدًا لم أنم .. مازال الوقت مبكرًا على

ذلك ..

كانت تنظر لساعة الحائط التي تشير للتاسعة مساء .. في حين

أكملت حديثها :

_ لا عليك لابدّ أنّ الأمر مهم .. رحلتي قبل يومين ؟!  كانت جيدة

 بل جميلة جدا .. أغمضت عينيها وهي تتذكر بأسف باقتا الورد

التي قدمتهما يوم أمس للسيدتين والاعتذار لهما والتظاهر أمامهما

بالندم الشديد .. ثم أكملت :

_ شكرًا لاهتمامك .. ولكن لا أعتقد بأنك اتصلت من أجل هذا الأمر ..

أها .. ماذا ؟ العمل ؟! هل سأبدأ العمل ؟  الأسبوع القادم  ؟ آه ..

 الذي يليه ..؟ لكن أين ؟  ماذا ؟ البريد ..!

كانت فاتن تتحدث بصدمة وهي تحاول أن تضبط انفعالاتها ويبدو

 صوتها لطيفا :

_  لكن سيدة آمال لم أكن أريد البريد .. أردت الكتابة .. كتابة في

البريد  ؟!  كيف ؟! سيّدة آمال أنا لا أرغب أن أكون ساعية بريد أبدًا ..

 نعم ،  صحيح .. نعم ، قلتُ بأنّي أرغب في الكتابة .. لكن ليس في

البريد .. أين ..؟ في الصحافة مثلاً ..

بدا في صوتها الانفعال وهي تقول :

_ لماذا لا يمكنني ..؟ ليس هناك شاغر ؟!

كان بودها أن تصرخ في وجه السيّدة آمال لتقول لها بأنّها كاذبة

 وأنّ صديقتها سيرين أخبرتها بأنّ هناك شاغرا .. لكنّها تمالكت

 نفسها .. وكتمت غيظها وهي تتابع حديثها بعد أن تنهدت بعمق :

_ حسنا سيدة آمال .. لكن إن توفر هناك شاغر هل بالإمكان أن أعمل

 في الصحيفة ..؟ شكرا .. حسنا سأجرّب .. شكرا لك .. تصبحين

على خير ..

أقفلت السماعة بغضب وهي تزمجر :

_ يا إلهي ، لقد اعتقدتُ بأنّ اليوم هو يومي .. لقد كان يومًا

هادئًا ومختلفًا ..

ليتني لم أرد ..

نظرتْ للهاتف بغيظ ثم جلستْ على الأريكة وهي شبه مصدومة :

_ البريد ؟! آخر شيء كنت أتوقعه !


      -    3    -

كانت نارين تعدّ الفطور حين نزلت فاتن وهي ترتدي ملابس نومها

 وسترة طويلة ذات لون رمادي مزهرة بلون أبيض حتى منتصف

الساق .. ابتسمت حين رأتها وبادرتها :

_ أوه صباح الخير نارين .. لقد نسيتُ ما هو اليوم !

_ صباح الخير .. أليس لديك تقويم  ؟!

_ للأسف كلا ..

_ كيف ؟!  يوجد في خزانة المدخل ..

اتجهت نارين وفتحت درج الخزانة ذو اللون الزيتي .. وأخرجت

تقويما وفتحته على يوم الأحد الذي يوافق 2 / 4 لعام  1507 هـ

ثم قالت :

_ لستُ أدري إلى أي مدى كنتِ مشغولة الأيّام الماضية حتى

لا تهتمين وتفتحين أدراج الخزائن .. أو تهتمين بالتقويم ..

شربت فاتن قهوتها وهي تقول :

_ كنتُ أعتمد على  التقويم الإلكتروني ، كلّ شيء في هاتفي ..!

 ومع انشغالي الأسبوعين الماضيين أو بالأحرى مع الصدمات

المتتالية لم يعد لدي الوقت لأمر كهذا ..

_ سيّدتي كلّ شيء موجود هنا يُوفّر لك في السنة الأولى مجانًا ..

 بعد ذلك تدفعين مبلغا رمزيا ..

_ لم أفهم ماذا تقصدين بكلّ شيء ؟!

_ يعني الصحف .. المجلات .. المحطات التلفزيونية ..

_ حقا ! إذن لماذا لم يصلني شيء منذ وصولي ؟!

ابتسمت نارين :

_ هذا لأنّك لابد أن تقدّمي طلبًا بالاشتراك المجاني .. لدينا ست

مجلات تتنافس وثلاث صحف .. اثنتان كبيرة وواحدة ناشئة لكنّها

 بدأت تدخل المنافسة هذا الأسبوع ..

_ أووه !  أنا مندهشة فعلاً .. علمتُ بأمر الصحيفتين لكن الثالثة

والمجلات لم أسمع بها .. أرى السيدات يمسكن بمجلات وصحف

لكن ظننتُ أنّها من خارج الضاحية ..

قالت وهي تقدّم الطعام لها :

_ الضاحية لم تعد قرية بل هي مدينة شبه متكاملة حاليا ..

_ هذا ما يدهشني .. أخشى بأنّ ما ينقصنا هو جيش وسلاح ونصبح

ذو نفوذ وسطوة وقوّة هادرة ..

تلفتت نارين بقلق يمنة ويسرة  ثم ابتسمت وهي تهمس لفاتن  :

_ أخشى ذلك حقا .. تخيلي معي حين تتصدر الصحف العالمية

عناوين كمدينة النساء تغزو العالم .. النساء يسيطرن على نصف

 الكرة الأرضية ..

_ بعد كلّ ما رأيته ليس ذلك مستبعدًا أخشى أن يكون هناك تنظيمًا

 سريًا .

ارتبكت نارين قائلة :

_ أوووه سيّدتي أرجو أن لا تتحدثي بمثل هذا الكلام !

_ وما المشكلة نارين ؟ إنني محقة .. ثم مم أنت خائفة ؟!

حينها ردت نارين  بخوف واضطراب :

_ أرجوك سيّدتي ..

وفي محاولة منها لتغيير الموضوع :

_هل ستخرجين اليوم ..؟

ابتسمت فاتن بخبث قائلة :

_نعم ، ربما سأذهب للبحث عن وظيفة في قسم الشرطة .. 

مؤكد هناك قسم للتوظيف ..

قطبت نارين حاجبيها :

_ سأذهب لأنظف الطابق العلوي حتى تنتهين من فطورك سيدتي .

ابتسمت فاتن من هروب نارين وهي تهمس بامتعاض  :

_ لو تعلمين أين زجّت بي السيدة آمال لأعمل ..!

ثم تنهدت بعمق وهي تكمل فطورها ..


      -    4    -

تأمّلت فاتن الحديقة الواسعة .. كانت المرّة الثانية التي تخرج فيها

 بعد خروجها الأول الذي اعتبرته فاشلاً ومزعجًا .. وأيضا بدون

رفيقتها.. إذ اعتذرت سيرين لأنّ لديها عمل عليها إنجازه ..

"هل يُعقل بأنّي لا أعرف إلا سيرين منذ وصولي ..؟ عليّ أن

أجد صديقة أو رفيقة أخرى .. السيدات هنا كثيرات .. "

نظرت فاتن للسيدات المتواجدات في الحديقة .. لم تكن الحديقة 

مسوّرة بل فضاء أخضر مفتوح مزيّن بالزهور والأشجار والكراسي

التي امتلأت بالسيّدات الجالسات .. رأت بعض السيدات المتحلقات

 يجلسن على العشب ويتبادلن الحديث ..

لم تعرف أين تذهب ؟ هل تتجه لتتعرف على السيدات أم تجلس

بهدوء على أحد الكراسي الفارغة ؟! على مقربة من السيدات

المتحلقات استرعى انتباهها سيّدة أنيقة متناسقة الجسم تجلس

 على أحد الكراسي .. كان ثوبها الأصفر ينسجم مع الحديقة

 بشكل فاتن .. تحمل كتابا في يدها وتبدو منهمكة في القراءة ..

" لا أتخيل نفسي أجلس وسط هذه الحديقة الجميلة والناس تحيط

بي وأنا أحمل كتابا لأقرأه .." ومع ذلك كانت تسير باتجاهها ..

_ مرحبا .. كيف حالك ..؟

التفتت سيرين لمصدر الصوت تبدو سيّدة في مثل عمرها .. متوسطة

 الطول ممتلئة الجسم قليلا .. قمحية اللون .. ذات ملامح جذابة ..

فستانها الأزرق يبدو حالمًا خصوصًا أنّه يحمل طبعة أزهار البابونج

 البيضاء .. وما إن اقتربت منها أكثر حتى ردت فاتن بنظرات يملؤها

 التساؤل :

_ أهلا .. بخير، كيف حالك أنت ..؟

ابتسمت تلك السيّدة وهي تقول :

_ بخير ، معك " جمانة " .

_ تشرفت بمعرفتك  .. أنا " فاتن " .

_ إذن أنت الجارة الجديدة التي يتحدثن عنها ..

_ لم أكن أعلم أنّي محطّ اهتمام لهذه الدرجة ؟

_ كيف لا ، وأنت سيدة أنيقة للغاية .. !

ابتسمت فاتن وهي ترد :

_ هذا لطف منك !

تأمّلتها السيدة عن كثب ثم استأذنتها وانصرفت ..

تعجبت فاتن من أسلوب تلك السيّدة .. لم تكن مريحة أبدًا بدت

 لها سيّدة متعجرفة للغاية .. أثار ذلك التصرف أعصابها تقدّمت

بانفعال وجلست على الكرسي بجانب تلك السيدة وهي تتمتم :

 " لا أعرف لماذا يتعمد بعض الأشخاص إغاظتك أحيانا ؟! "

وبمجرد أن جلست أغلقت السيّدة الكتاب ونهضت .. نظرت لها

فاتن بدهشة لقد كانت سيّدة جميلة تبدو على أعتاب الخمسين ..

 ارتبكت فاتن قائلة :

_ أعتذر لك ، لم أقصد أبدا إزعاجك ..

لم تتلق ردا منها حيث تابعت السيدة سيرها .. في حين

استمرت فاتن بالاقتراب منها :

_ صدقيني لم أقصد إزعاجك .. سأذهب لكرسي آخر ..

أدركت فاتن بأنّ صوتها كان عاليًا لأنّ السيدات الجالسات بالقرب

منها أخذن ينظرن لها .. نظرت فاتن لهنّ محرجة وهي تحاول أن

تتمالك نفسها إلا أنّ تلك السيّدة ردّت دون أن تلفت لها :

_ لا عليك .. إنّه وقت عودتي على أيّة حال ..

تابعت سيرها تاركة " فاتن " في حالة من الصدمة والذهول ..

" لا أصدق أنّ هذا يحدث لي .. هل أعيش داخل كابوس طويل

 لا أستطيع الاستيقاظ منه ؟! "

كظمت غيظها وتظاهرت بالتماسك وهي تسير في الحديقة دون

هدف محدد بعد أن شعرت  بأنّ جميع من في الحديقة يهمس

ويتحدث عنها  ..

لا تدري كم من الوقت مشت ، لكنها انتبهت أين وصلت أخيرًا ..

إنّها تقف أمام منزلها .. تنهدت بألم وهي تنظر لمنزل سيرين :

" لم أتخيّل أنّ رحلتي هذه المرّة ستكون أسوأ ، أين أنتِ سيري 

هل عدتِ من عملكِ ؟! أحتاج أن أتحدث إليك .. ثمّة أمرٌ ما 

لا أستطيع فهمه !  " 

وبعد لحظات من الشرود والتحدبق في منزل صديقتها الوحيدة 

 دخلت المنزل .. دخلت وهي تحمل مشاعر الغضب والصدمة 

والمرارة !   

على بعد أمتار منها كانت " سيرين " تنظر من النّافذة بحذر

 أسدلت الستار بهدوء  .. وعادت لتجلس على أريكتها لتكمل 

ما تبقى من قهوتها  بابتسامة غريبة .. ثمّ أمسكت الصحيفة 

وتابعت قراءتها بكلّ هدوء !


...  يــتــبــع  ...

                                          الكاتبة

                                 حنان الغامدي