الأحد، 5 فبراير 2012

حتى لا تختفي الأشياء الجميلة ..!!




تم نشر هذا المقال في صحيفة المدينة بتاريخ : 12 / 3 / 1433 هـ - 4 فبراير 2012 م



حتى لا تختفي الأشياء الجميلة ..!!!


تحدثتُ إليها ولكنها لا تجيب فهي في عالم آخر ... تحيط نفسها بهالة من الانسجام الرهيب مع الجهاز الصغير

الذي بين يديها ... حاولتّ مرة أخرى فإذا بيني وبينها أمد شاسع وواسع مع أنه لا يفصلني عنها سوى بضع

سنتيمترات .. لزمتُ الصمت ... نظرتُ حولي فإذا كل واحدة منا على حدة !!

بجانب بعضنا لكننا نكاد أن ننسى وجوه بعضنا .. بل نسينا أصواتنا إذ لم نعد نتحدث إلا كلمات رمزية تعبر عن

مدلول شيء ليس موجودًا ... كلّ ما لدينا أصبح عبارة عن رسائل ... ومحادثات ... أصبحتْ الأصابع هي التي

تتحدث ... فنضحك مع أنفسنا ... ونتحمس كثيرًا مع هذه الأجهزة الصغيرة ...

وأتساءل كيف لهذا الجهاز الصغير أن يبعثر أسرة بكاملها فلا تتواصل إلا عن طريقه ...؟!! فالأب يطلب من أبنائه

القدوم للغداء برسالة ... وأخرى تتحدث مع أختها وهي بجانبها برسالة ... !!

عجيب أمرنا إذ سمحنا لهذه التقنية تدمّر ما بقي من تواصلنا داخل الأسرة وخارجها !! وقد يقول قائل : يعتمد على

الشخص وطريقة استخدامه ...!! نعم وكلامه صحيح ... ولكن الأمر أصبح جللا .. وأغلب من يمتلك هذه الأجهزة

بشتى أنواعها أصبح يعاني من سوء الاستخدام صغيرًا كان أو كهلا ً ..

فالأغلب صار يرى فيه الراحة من تكبد عناء الزيارة وتكاليفها مع أننا نحن من فرض هذه الشكليات ...

ويحاول إقناع نفسه بأنّ هذا هو التواصل الحقيقي..!! فقلـّت الزيارات ... وشحـّت المحادثات ... فـلم تعـد تسمع إلا

أصوات مفاتيح الأجهزة ... التي باتت تؤرقنا ...وباتت رمزًا وشعارًا للتقدّم والمدنية ...

أصبح الشخص يجلس وكأنه لوحده دون أن ينظر إلى الجمال الذي حباه الله به ... يعيش عالمه بعيدًا عـن

تلمّس حياة حقيقية وهبها الله له داخل منزله ... فنرى الأب لا يرى إبداع أبنائه وما يتميزون به ... و الأم لا تعرف

عن حاجات أبنائها ..!! والأخوة لا يدرون عن بعضهم إلا من الناس ...!!

ولم يقتصر ضررهذه الأجهزة على الأسرة ... بل حتى الأصدقاء لم تعد تلك الجلسات والأحاديث التي يفضون بها

لبعضهم وجهـًا لوجه تعني لهم شيئـًا ..فنراهم يختبئون خلف أجهزتهم ليتحادثوا ... حتى غزاهم الخجل ...

واستحوذت عليهم الانطوائية ... واستعمرهم الاستهتار واللهو والغـفـلة ..!!

ولستُ أدري ما الذي أضافته هذه التقنية لأبنائنا وفتياتنا ونسائنا ...؟! فبالرغم من أنها لم توجد إلا لتقربنا من

بعضنا أكثر ... ولتسهّل علينا أمورًا كثيرة ... إلا أنها صعّبت وعقـّدت علينا الأمور أكثر مما ينبغي ..!!

مع أنّ زماننا زمـان جميل .. وُجـِدت فيه هذه الأدوات الراقية لتوفر لنـا الكثير من الوقت لننجز ونبدع ونتميّز ...

ونتواصل مع بعضنا ... ونسأل عمّن حولنا ... ولكن الأغلبية مع الأسف حوّلها لمعـول ينهش في جسد الأسرة

والمجتمع ... فهي خطر يهدد مستقبل أمتنا .. ما لم نعي جيدًا كيف نتعايش معها بشكل صحيح ونتعامل

معها بمرونة يغلب عليه الحزم ... فحتى لا تختفي الأشياء الجميلة من نفوسنا علينا أن نمنع أنفسنا من الانجراف

خلفها والتهافت عليها إلا للضرورة ... ونحتوي أبناءنا لنضم ما بقي منهم ونخرجهم من الشرنقة التي نسجـوها

حول أنفسهم ... ليعشوا عالمهم بثقـة وقــوة ونجــاح ... ويشعروا بقيمة الجمال الحقيقي فيما حولهم ...


الكاتبة

حنان الغامدي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<