الجمعة، 30 نوفمبر 2012

♨ ذو الـــستـرة الـبـيــضـاء ..!! ♨



         
                                                       


                                           
  (   1   )


          كنتُ أمسك بالصحيفة حين نظرتُ إلى ساعة الحائط المعلـّقة ... إنها تشير إلى الثامنة والربع  ... مـازال 

الوقت باكرًا للذهاب ... شرد ذهني بعيدًا وأنا أنظر للبخار المتصاعد من فنجان قهوتي الماثل أمامي ...يوم رتيب

 آخر ...وضعتُ الصحيفة أمامي على الطاولة لأحتسي رشفـة من فنجان القهوة الساخن ...

بعدها قمتُ بخلع سترتي الصوفية ذات اللون الأســـود لأنَحِـيها هي الأخرى جانبـًا ... لقد بـــدأتُ أشعـــر بالـدفء... 

كان عقلي مشغولاً بالمكان الذي سأتجه إليه بعد ساعة مـن الآن ...

أسنـدتُ رأسي للخلف وأغـمضــتُ عيني رغبــة في الراحة ... ولكني ما لبثت أن فتحتُ عيني بعد فـترة وجيزة ... 

نظرتُ إلى الساعة في ذهول ... إنّها التاسعة والنصف !! كيف حدث هذا ؟! خلتُ أني استرخيتُ لمدة خمس دقائق !! 

كيف نمت ...؟!  لم يتبقَ سوى نصف ساعة ...


(  2  )

            الإضاءات الممتدة طول الطريق تلفـح وجهي بين الحين والآخر ... فالسيـّارة الآن متجهة إلى المكـان 

الـذي ستقيم فيه صديقتي حفل افتتاح معرض لوحاتها ...إنّها أول مرة أحضر حفل افتتاح من هذا النوع ... بالرغم 

من أني لا أحب الحفلات كثيرًا إلا أني رضختُ لطلبها بعـد إصرار شديد منها ... وبما أنها حفلة افتتاح معرض 

أعتقد أني سأستمتع كثيرًا بمشاهدة اللوحات ... ترى ما المفاجأة التي تحضّرها ؟ لقد قالت بأنّ لديها 

مفاجأة  و... !!

قطع حبل أفكاري تَوقـُـف السيّارة المفاجئ ... يا إلهــي الإشــــارة حمراء ... سأتأخرُ أكثر عن الموعد ...التفتُ 

إلى يساري ...عقدتُ حاجباي بدهشة ... من هذا ؟! كان الواقف على بعد أمتار من السيّارة  شخص يرتدي 

سروالا أبيضًا وسترة بيضــاء طويلة تصل إلى الركبة يضع على رأسه قبعة بيضاء... معطيـًا إياي ظهره ..!! 

اللافـت للنظر  لم  تكن ملابسـه طبعـًا ... لكنه كان يمسك بمنظار في يده... وينظر من خلاله متلفتـًا يمينـًا 

ويسارًا... هل يكون طبيعيـًا ...؟! يا للدهشة ...!! ماذا يفعل ؟! تحركـتْ السيّارة ولكـنّ عيني مازالـت تلاحـق

 ذلك الشـخـص ذو التصــرفات الغريبـــة ...!! مـا الذي ينظر إليـه عــبر المنظــــــار ...؟!! يا لهذا العالم الغريب ... 

حقـًا غـريب ...!! وصلتُ أخيرًا ... وحين دخلتُ  بهو القاعـة وجدتُ صديقتي بانتظاري ... وبعـد السلام و التحايا 

 مدّت لي عددًا من الأقنعة وطلبت مني أن اختار واحدًا لأرتديه  تساءلتُ باستغراب :

_ ما هذا ؟!  حفلة تنكرية ؟!

ردّت وفي عينيها نظرات تودد :

_ تقريبـًا ... ولكنها تختلف نوعـًا ما ... لا تقلقي ليس هناك ما يخيف .

ابتسمتُ...وأنا آخذ قناع النظارات ... بعد أن علمتُ منها بأنّها لم تخبرني خشية أن لا أحضر ... فهي تعلم جيّدًا 

كم أتحفظ على حضور حفلات كهذه وبالرغم من ذلك ارتديتُ القناع !! واصطحبتني بعدها إلى الطابق الثاني

 حيث القاعة ...دخلت ُالقاعة ... فعلاً الجميع كان يرتدي الأقنعة بدون استثناء ... والبعض كان متنكّرًا أيضــًا ... 

القاعة ممتلئة ومكتظة ..يا إلهي إنّني في عالم من الأقنعة ... أصوات الضحكات ... والهمسات ... والأشكال 

الغريبة ... بل إنّ البعض كان يحاول أن يتقمّص الشخصية التي تنكّرها ... لقد بهرني المنظر فعلاً ...ولكن 

ما لبثتْ دهشتي أن توارت ... حقـًا لم أنا مندهشة ؟!  فالأقنعة في عالمنا كثيرة ... بل لا تكاد ترى شخصـًا 

بدون قناع في هذه الأيام ...أقنعة ظاهرها الحب والودّ ولكنّها تخفي الحقد والحسد والكراهية ... 

 جلتُ ببصري في أرجاء القاعة ... لم أستطع التعرّف على أي واحدة من زميلاتي بسبب الأقنعة وبينما أنا

 أتأمل الحاضرات وأتلفت ُيمنة ويسرة ... يا الله من هذه ؟!

عيناي كانت مصوبتان باتجاه إحدى الحاضرات ...!! لم أستطع تبيّن من هي بسبب القناع ولكن نفس الملابس

 والهيأة ... تشبه ذلك الشخص ... حتى القبعة ... يا الله !! أخذتُ أرقبها  حتى اختفت بين متاهات الحضور... 

وفي تلك الأثناء أعلنت صديقتي عن بدء افتتاح المعرض ...


(   3   )  

            وفي القاعة الأخرى والتي كـانت أكبر من سابقتها ....  بدأتْ الفتيات يتناثرن أمامي متجهات نحـــو

 اللوحات الموزعة بدقة ونظام على الحائط ... لفت نظري لوحة كانت ألوانها القاتمـة ممزوجة بشكل جميل ...  

وقفتُ أمامها مبهورة إنّها تمثل أشخاصـًا بلا ملامح ... أشخـاصًا مخيفين ... تغطـّي سحابة من السواد وجوههم ... 

يا لها من لوحة قاتمة  تمامًا ... ما الذي جذبني إليها ؟! هل هو الشعور بأنّها تمثـّل العالم الذي نعيشه ؟! لقد أصبح

 عالمنا عالمـًا مشوّهـًا ... أصبحنا نبحث عن بقعة ضوء  فلا نجدها إلا في نفوس المتفائلين الذين يريدون رؤية 

العالم كما يحبون لا كما هو على حقيقته و لكنهـم في النهاية أشخـاص رائعـون استطاعــوا التعايش مع العالم 

الذي أصبح أكثر وحشيّة من أيّ وقت مضى ...التفتُ إلى اللّوحة الأخرى...ولكنّي  فوجئتُ بذات السترة البيضاء ... 

 تحمل المنظار وتنظر من خلاله إلى اللوحات  ...عقدتْ لساني الدهشة ... إنّه هو فعلا ولكن كيف ...؟! هو أم 

هي ..؟!  ليس مهمـًا ولكنّ المهم أنّها نفس الملابس والقبعة والآن المنظــار ...!!

تلفتُ حولي ...الجميع منشغل ... معقول أنهم لم يلحظوا هذه الفتاة وتصرفاتها ...!! إنّنا في قاعة اللوحات 

والجميع  تخلى عن تقمّص دوره إذا اعتبرنا أنّ هذا من الانسجام بين الشخصية الحقيقية والشخصية التي 

تنكّرتها  ... غريبٌ حقـًا ..!! 

عدتُ أنظر إلى اللّوحة التي توقفتُ عندها والتي كانت تحوي أشلاء ممزقة ونساء يبكين على الأشلاء ...  

يا لها من لوحة مؤثرة ... ما أشبه هذه اللوحة بواقعنا الذي امتلأ بالحروب .. !! سواء على مستوى العالم 

 أو مستوى المجتمع ... تلك الحروب التي أشعــلت فتيل الألم  والجــوع  والتشــرّد والضياع ... حتى الحروب 

الصغيرة بين الأفراد والتي تعتمد على الكلام أيضـًا تترك النّفس في فقر من الحب والتسامح ...

تنهدتُ بعمق ... كم هي الحياة مــؤلمة حين نعيش مع أشخاص نحبهم و نودّهم ولكـــن لا نلبث أن نفقدهم 

 للأبد...!! إنّها سنـّة الحياة ... أفقتُ من أفكاري المتلاطمة على رؤية ذات السترة البيضاء والتي مازالتْ 

تستعـرض بمنظــارها أمامنا و تجول في القاعة وتدور كمن يبحث عن شيء ...

 ماذا أرى ؟! إنّها تخرج ... إلى أين تتجـه بعد استعراضـها بمنظــارها كالمهرج ؟! ولكن ما شأني به ... 

أقصد بها ...  ولماذا تحدثني نفسي أنّها الشخص نفسه  ؟!

حاولتُ أن أشغل نفسي  بمشاهدة بقيّة اللّوحات ... ولكنّ فضولي كان أقوى من إرادتي ... فوجدتُ قدماي

 تجرّني باتجاهها خرجتُ خلفها ... إنّه بهو القاعة ... أين هي؟!  لم يكن أمامي سوى ممرّ ضيق على اليسار 

في الطرف الآخر و في آخره كان يوجد باب مفتوح قليلاً ... وحين اقتربتُ منه ... وجدتُ الضوء خافتـًا  في

 الحجرة ... ومع ذلك  تجرأتُ و فتحتُ الباب تمامًا ...وهنا نزعتُ القناع عن وجهي ...وأوّل ما لفت نظري 

مباشرة الشرفة التي أمامي مباشرة ...كانت مفتوحة والهواء يحرّك الستائر...

جلتُ ببصري في أرجاء الحجرة ... لقــد كانت صغيرة لا شيء يميّزها سوى مكتب صغير بكرسيه على يسار 

الشرفة...  دخلتُ باتجاه الشرفة ولكنّي لم أجد شيئـًا حين اقتربتُ منها ... أين ذهبت ؟!  أنا متأكدة من أنّها 

دخلت هنا ... هل قفزتْ من هنا ؟! مستحيل إنّنا في الطابق الثاني  ...!!

 عدتُ أنظر إلى الحجرة ... مــا هذا ؟! السترة البيضاء …!!


(    4    )


           كانت السترة البيضاء ملقـاة في وسط الحجرة ... التقطتـُها من الأرض ...إنّها فعلاً السـترة ذاتها ... 

هـل كان هو أم هي ...؟! شيء محيّر حقـًا ...تساءلتُ أيحق لي أن أفتشها ...؟! كنتُ  أقلبها بين يدي ...ثمّ حـانت

 منّي التفاتة إلى الأرض...القصاصـات البيضـاء موزعة في أرجــاء الحجرة ... حجرة غريبة حقـًا ... أفقتُ من 

دهشتي لأقع في دهشـة أكبر ... فأينما تلفتُ كانت الصحف تغطي الجـــدران ..!!!

يا لغرابة هذا المكــان ... فالحجـرة بذاتها متحف خاص ... اقـتربتُ لأرى اهتمامات هذا الشخص والمـواضيع 

التي أعجبته ليعـلـّقها ... بدأتُ أتأمّل العناوين ...

يوم الأحــد ما تزال غزّة تحت الحصــار   ... بجانبه عنوان آخر في يوم مختلف    أفغانستان تعاني الفقر ..

أخذتُ أتحسس أوراق الصحف المعلـّقة ... وقفتْ يدي على مقال بعنوان : العراق بين الشيعة والسنة ... بينما 

التقتْ عيناي بعنوان آخر :" الشرق الأوسط يعاني " يا الله ... هــذه العناوين تجعــل قلبي ينزف ألمـًا ... فمـا 

تزال فـلسطين تكافـح وتناضل ... وأفغانستان يتناوشها الفقر والجوع والألم ... والعراق حبيسة الشقاق والفـرقة

 وانعـــدام الأمـن هل قلتُ أَمْن ؟! أيّ أمن تعيشه الأمة الإسلامية ...؟! صراعات وجدل وانتفاء الألفة وانعدام

 الوحدة ...ولولا رحمة الله لنا بالإسلام والإيمان لكانت قلوبنا تغرق في مستنقع الخوف الأبدي ... 

اتكأتُ على الجدار الآخر لأقع تحت وطأة ألم آخر الثلاثاء ..." الانفتاح وأبناؤنا إلى أين ..؟! حقـًا لســتُ 

أدري إلى أين ...؟!! فالعــلاقات الأسـرية أصبحتْ هشّة ... والشارعُ بدأ يحتوي ويحتضن أبناءنا والتيارات 

والأفكار الغربية أخذتْ تجتاح عقولهم وتقلـّبهم كيفما شاءت ...

أصبحنا وبكلّ أسف نرى شبه جيـل ... تـائه مزعزع الثـقـة ... متنصّـل من مبادئــه وقيمــه باسم التطور 

والمدنية ... فعـلاً ... لستُ أدري إلى أين يتجه أبناؤنا ؟!

وعلى الجهة المقابلة كان هناك عنوان أكثر ألمـًا ... " الحروب الأهلية شرارة تهدد مدن الثورات .."

ياااااه هذه الثورات التي انطلقتْ تحت مسمّى الربيع العربي ...وما أخشاه أن يتحوّل الربيع إلى خريف ينتهي 

بشتاء قاس ...  حوادث كثيرة هزّت نفوسنا وجعلتنا نعيد حساباتنا ونفكّر مليـًا فيما حولنا ... بل نعيـد صياغة 

ما نريده بجديّة أكثر ... غرقتُ  بين الصحف المتناثرة على الجدران إلى أن وصلتُ إلى المكتب الصغير ...شعرتُ 

بتعب شديد ... أمسكتُ بالكرسي  لأجلس ... وما إن جلستُ ووضعتُ يدي على المكتب حتى شعرتُ ببرودة 

تلامس يدي ... يا الله  ...  إنّه المنظار..!! نفس المنظار الذي كــان في يده وبجانبه قصاصة تحمل عنـوانـًا

 غريبـًا ... الضمير يستصرخ أخذتُ القصاصة بألم  ولسان حـالي يقول :

 وأين هو الضمير ...؟! أعتقد أنّه رحل من نفوس كـثير من البشر ... غادر بلا رجعة ... بل ربمـا قتلوه ودفنوه 

ومشوا فوقه بلا رحمة ...

 ما هذه الحسرات ...؟!  بل ما هذه الحفلة التي رجوت أن أستمتع بها...؟!

نظرتُ أمامي بألم ... من ألصق كلّ هذه القصاصات ... ؟! لاشكّ أنه ذو السترة البيضاء ... حقـًا ما أسوأ أن يجلس 

المرء في مكان كهذا ...والأسوأ أن يعيش بين هذه الأحداث المتناثرة والمتفرّقة والتي لا يجمعها سوى الألم والحزن .. .
                                             
 التفتُ إلى المنظار وأخذتُ أقـلـّبه بين يدي ... ماذا يوجد فيه ؟! إلامَ كان ينظر ذلك الشخص ؟! فلأجرب بنفسي ... 

أخذتُ المنظار ووضعـتـُه على عيني لأرى ما المثير فيه ؟!

 أنزلتُ المنظار لأتأكد ممّا هو موجود أمامي ... عدتُ لأنظر من خلاله والغرابة ترتسم على وجهي ...معقول ..!! 

 لقد كنتُ أضع المنظار ولكنّي لا أرى سوى مناظر مختلفة عن الواقع ... مناظرُ خلابة جميلة ... مناظرُ تدعو 

للحياة ... للسلام والتآزر ... وكلما  أبعدتُ المنظار عن عيني وعدتُ أنظر من خلاله وجدتُ منظرًا أكثر جمالاً ..!!

لقد كانت  الحجرة تبدو من خلال المنظار مضيئة ... تغطيها ألوان الحائط المبهجة ... وعلى الجدران لوحات

 لمناظر جذّابة  ... ليس هذا فحسب بل إنّ  هذه المناظر من خلال المنظار لم تكن ثابتة بل متحركة تنبض 

بالحياة ... أبعدتُ المنظار عن عيني ... فإذا بالحجرة هي نفسها ذات الألوان الخافتة والتي تغطّي جدرانها 

الصحف ذات العناوين المؤلمة ...عدتُ أنظر من خلال المنظار فإذا بي أرى لوحة كتب عليها : 

" فلسطين دولة مستقلة " ...  وإذا بصوت الأذان يعـلو من المسجد الأقصى ... والمسلمين يدخلون إليه... 

الشوارع المنظـّمة ... الشباب عائدون من مدارسهم لا قنابل ... لا خوف ... لا بكاء ... لا جرحى ... لا أموات ...

أدرتُ المنظار فإذا بلوحة أخرى كتب عليها : " الأمّة الإسلامية وحدة وقوة " كانت اللّوحة تمثــّل المسلمين 

والعرب يتنقلون  بين بعضهم البعض بلا تأشيرات سفر ... بلا عملات مختلفة ... أرى عملة واحدة متداولة 

بين الدول العربية الإسلامية ... هدأتْ عواصف الثورات ... ساد الأمن والحب ... والصفاء والنقاء كلّ شيء 

في هذه اللوحة يبدو رائعًا للغاية ...انتقلتُ للوحة التي بجانبها والتي كان مكتوبـًا عليها : " المملكة تتصدر

 التعليم وتبدأ باستقبال البعثات " وفي اللوحة كانت الجامعات بمبانيها الراقية ... والشباب ينتشرون فيها 

حيث التقنية والتخصصات التي تخدم كافة المجتمع ... عدا عن المدارس المعـدّة بشكل مثالي ومميّز ... 

لا بطالة ... لا جهل ... لا شباب تائه ...الجميع يعمل من أجل الارتقاء ... 

أدرتُ المنظار نحو الجهة المقابلة فإذا بلوحة أخرى كُتِب عليها : " أفريقيا تحتل المركز الأول في تصديرالقمح " 

 وفي اللوحة أشخاص يتميّزون بلون بشرتهم السوداء ... ينعمون بالراحة والرفاهية من مدارس ...تعليم عالٍ ... 

إنشاء مصانع ... حياة مزدهرة ... لا فقر ... لا جوع ... لا أمراض ...

اقتربتُ من الشرفة ... وأخذتُ أنظر من خلال المنظار الذي أحال لون الليل و الأشجار السوداء إلى منظربديع 

تشرق فيه الشمس ... وتنطلق الطيور المغـرّدة هنا وهناك ... وأسراب من الحمائم البيضاء تنتقل من مكان إلى

 آخر مع بعضها البعض  ... أنزلتُ المنظار وأنا أشعر بفرح يغمرني ...

يا الله ... فرق  شاسع بين من ينظر للواقع ومن ينظر من هذا المنظار ... لا عجب في أنّه كان يحمله معه طوال 

الوقت ...  هذا المنظـار نقـَلَ أحلامي وآمالي على أرض الواقع ... 

تأملتُه وقـلـّبته فوجدتُ مكتوبـًا عليه : " للمتفائلين فقط "  لم أكتف بالنظر إلى المنظـــار ... بل  وضعــتُ يدي 

داخل جيب السترة ووجدتُ قصاصة واحدة صغيرة ملفوفة بعناية داخل السترة ... أخذتـُها وأنا أتلفت يمينـًا ويسارًا 

بحثـًا عن صاحب السترة البيضاء ... ترى أين ذهب ؟! أين اختفى ؟! أريد أن أسأله من أين حصل على هذا 

المنظار ...؟ وهل يوجد آخر مثله ؟ وحين هممتُ بفتح الورقة تناهى إلى سمعي صوت غريب ... ما هذا 

الصوت ؟! صوت وقع أقــدام يقترب ...ولكن هناك صوت آخر قادم معه ...أهو صوت ساعة ؟!  أرهفتُ سمعي ...  

 لا ... ما هذا ؟! مهلاً ... !!!

بل هو صوت  مألوف لدي ... يا الله ... أعرف هذا الصوت ... أنا متأكدة ... كان الصوت مستمرًا وهو يقترب 

مني ... إنّه يقترب  ... من هــذا القادم ؟!  أصابني خوف شديد فنبضات قلبي تتسارع مع كلّ خطوة ...

جلستُ القرفصاء بجانب الكرسي أحاول الاختباء ... وأغمضت ُعيني باستسلام  كمن ينتظر مصيره 

المجهول ..!!


 (   5   )


           فتحتُ جزءًا من عيني بحذر ...  يا إلهي إنّه صوت هاتفي المحمول ... وبسرعة أجبتُ عليه ..

 وبعد برهة أقفلتُ هاتفي ... إنّها عائلتي ... يبدو أنّهم سيتأخرون في العودة ... يوجد مكالمات واردة ... 

إنّها من صديقتي ... نظرتُ بتثاقل  إلى الساعة ...يا إلهي إنّها الساعة الثانية عشر تمامـًا ... لقد فاتني الموعد ...

 نهضتُ من الأريكة بسرعة واعتدلتُ  جالسة ... تأملتُ ما حولي  ... الصحيفة و فنجان القهوة ما يزالان على

 الطاولة ... كلّ شيء كما هو قبل أن أنام ... والحجرة ... إنّها حجرتي لا يوجد قصاصات ...ولا صحف معلـّقة 

على الجدار ... يا له من حلم ...!! نظرتُ إلى سترتي إنـّها ســـوداء و ليست بيضـــاء ... خسارة ... ما أفتقده 

هو المنظار ... ليتـُه كان معي أخـــذتُ سترتي ومـا إن رفــعتها  حتى سقطـتْ قصـاصة صغـيرة منهـا ... 

 ما هــــذا ...؟! التـقطــتـُها ... يا للشبه !!  تشبه تمامـًا تلك الورقة التي كانت في السترة البيضاء ...!! 

ترى هل كان ما مررتُ به حقيقة ...؟ لستُ أدري حقـًا !!!  قمتُ بفتحها  فإذا مكتوب فيها :

 " لا نحتاج لمنظار نــــرى به الحياة كما نحب ...فحتى في أحـلك الظروف هناك دائمـًا ثمّــة ضوء 

ولكن لا يــــراه إلا المتفائلون "

لستُ أدري كيف وصلت هذه القصاصة إلي ..؟!! ولا أعلم من جاء بها إلى هنا ... ؟! ولكن الذي أعلمه الآن 

أنّ ثـمّة ضوءًا بدأ ينمو ويتسع في داخلي  ليعكس أبعادًا لا حدود لها داخل نفسي ...كما لستُ أدري من يكون 

ذو السترة البيضاء ..؟!! وهل هو من الواقع أم خيالات النوم ..؟ ولكنّي أكيدة أنـّه يمثل الأيـّام الجميلة القادمة ...

       نعم .. إنّّه يمثـّل التفاؤل بالرغم من قساوة ما نمرّ به من أزمات وفتن هذه الأيام ...ولذا سأحاول جاهدة 

أن أضع منظارًا مختلفـًا أمام عيني لأرى به الحياة بوجهها الجميل الذي غاب عـنّي بسبب نظرتي السلبية لبعض 

الأمور ... سأحاول بهذا المنظار أن لا أخدع نفسي ولكن ... لأوقظ به التفاؤل الذي نام طويلا وباتت بعـض أيـّامي

 رتيبة ... كئيبة ...  حزينة ... لا أرى فيها سوى الألم ... إذ لا أحتاج لمنظار سحري لأبني ما خرّبَتـَه الآلام 

والأحزان والحسرات بداخلي أو أصلح ما حولي في المجتمع  ...بل سأنطـلق بهمّة وإرادة قويّة تأخــذني إلى 

حيث أريـد من نجاحات متواصلة ... أجـمع فيها أمنياتي وأحلامي وأنثرها قريبـًا من السماء حتى تتبعثر في 

الأجواء كالنجوم حاملة أريـج الأمل لكلّ شخـص تسرّب اليأس إلى قلبه ...


                          
   تمـّت


الكاتبة 
حنان الغامدي 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<