الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

✻.. وجهان بروح واحدة .. ✻





علاقة عجيبة تلك التي تربطك بالطين الذي نشأت عليه ..
وكأنّك تحنّ لجزء منك .. تفتقده .. تشعر بذاتك كلّما
وطأت قدمك عليه ..
علاقة فطرية تولد معك حين تصرخ أولى صرخاتك ..
حين تختلط أنفاسك بذرات هوائه ..
إنّها علاقة تكوينيّة لا مناص منها ولا انفكاك فكلاكما جزء من بعض ..
وإن شئت كلاكما يمثل شيئا واحدا ..
ولذلك أنت تناديه الوطن .. السكن ..المستقرّ الذي تبحث بين ترابه
عن ذاتك .. عن تاريخك  .. عن حضارتك ..عن أجدادك .. عن هويتك التي
تتأصّل في شخصيتك فتطبعها بطابع التميّز  ..
 تبحث عمّا إذا كنت تريد أن تترك أثرا على طينه !
وربما ذات يوم حين يبلغ منك العمر مبلغه يكون كل حياتك ..
أتراني أبالغ ..؟!
لا أظنّ .. ولكن سل الذين هاجروا وتركوا أرضهم وتركوا أوطانهم عن
حالهم .. عن أرواحهم التي تعلّقت بين مدينتين فلاهي عاشت كما أرادت  
ولا هي عادت لأرضها لتنعم بالسلام ..
سلهم كيف تاهوا بين مدينتين ففي الموطن يسكن القلب وفي الأخرى يعتاش الجسد ..!
سلهم ربما تجد إجابات أعمق ..
إجابات تتحدّث عن الحنين الذي يعصف بكل ما فيهم ..
أيعقل أنّك لا تملك هذا الإحساس العميق طالما أنت على أرضك ؟!
ربما .. وربما لا ..
كل شيء وارد .. ولكن الشيء الذي لا يمكن أن يقبله عقل أن تلفظ كل
ذكرياتك التي تمتلئ بها الطرقات التي سرت عليها يوما ..
والأماكن التي التقيت فيها بأحبتك ..
والمعالم التي تحسستها بيديك ..
والإنجازات التي حصدتها ذات يوم ..
كما لا يمكن أن تتعامى عن كلّ ما تمتلئ به أرضك من سحر
الجمال ..!
وأنوّه هنا ليس بالضرورة أن يكون جمالاً شكليًا لتعشقها ..
بل هذا الجمال الخاص الذي يكمن في روحها الخاصّة التي تشعر بها ..
وإذا أردت أن تتأكد سل أصحاب المفاتيح الذين خرجوا من بلادهم قسرًا ..
خرجوا لاجئين على أمل العودة لها يومًا ..
لكنّهم لم يعودوا لها ومع ذلك مازالوا يحتفظون بمفاتيح منازلهم رغم ارتعاش
أياديهم وتجاعيد وجوههم .. وربما قضى بعضهم نحبه ومع ذلك ما يزال
الأحفاد يحتفظون بتلك المفاتيح ..
مع أنهم لم يولدوا فيها ولكن الجينات تتحدث عن الحنين !
لستُ أكتب لأقنعك بحب أرضك ..
ولكنّي أكتب لأخبرك بأنّ هناك من يرى أرضه جنّة بالرغم من أنها
ليست سوى أرض عادية ..يكدّ فيها .. ويظمأ .. ويسهر من أجل
إعمارها .. وربما بكى يوما لأجلها أو بسببها ..
إنّه شخص لم يدرس الوطنية .. وربما لم يسمع بالرؤية ولكن إحساسا
عميقًا لديه بأنّه جزء من هذه البقعة التي يسير عليها ..
فمهما كانت حياته صعبة .. وبدت أرضه صغيرة على أحلامه وأهدافه
ورؤيته الخاصة .. فعطاؤه وانتماؤه أقوى بكثير من أن يتزعزع بكلمات
لامعنى لها إلا الخيانة ..
إنّه شخص باختصار أحب أرضه بكل ما فيها ..
أرأيت كيف يكون السمو في الحب ..؟
يحلّق بك بين جوانب ما تحب بكلّ شفافية .. فلا ترضى له
الإساءة وإن خالفك فيما ترغب ..
ربما تعتقد بأني عاطفية حد الغرق ..
اعتقد ما تشاء فليس لهذه الأرض التي ولدت عليها ونشأت إلا أنت
وليس لك إلا هي ..!
وكأنّكما وجهان بروح واحدة !
   
   
                                     الكاتبة 

                                 حنان الغامدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<