الأربعاء، 22 مايو 2019

حجر كريم وسط جبال من القشّ 1




بداية وقبل أن أبدأ مقالي أريد أن أنوه أنّ هذه المقالة عبارة عن مقدمة لسلسلة من المقالات القادمة التي
 سترتبط به ..! ⛱

♠....  تُخمة ....♠



   
     الحديث عن التفاهات التي نراها اليوم أصبح كثيرًا لدرجة أنّ من حولنا ألفوه .. وبات الأمر
يصبح عاديًا .. وما كان بالأمس غريبًا صار اليوم مألوفًا .. بل ومن كان ينتقد لذات الفكرة الخاطئة
صار ينتقد جزءًا من الفكرة ..وكأنّه يقول هذا أفضل بكثير من غيره .. جزاه الله خيرًا !
وبدلا من توضيح الخلل .. يصبح الخلل مقبولا إلا من بعضه .. ثم بعد فترة يصير الخلل جزءًا من
المجتمع والدفاع عنه أمر حتمي ..!
وهنا الكارثة ..!

      هذا المدّ الهائل من العقول الفارغة والذي أنتجه لنا الترف المطلق أصبح وبالاً علينا وعلى
 أبنائنا وعلى مجتمعنا وعلى فكرنا وعلى زمننا .. بل بتنا نرى هُويّة أخرى لا تمت لنا بصلة .. 
هويّة يحاول بعض من أبناء جلدتنا إلصاقها بنا بالقوّة بحجج سخيفة منها تقديم " رسالة ".. 
مع أنّي دائمًا أتساءل عن ماهية الرسالة فيما يُطرح ؟
بل أين الفكرة والإبداع الذي يفيد الناشئة والجيل المتابع ؟! فحتى الآن لم أره ..!
وحتى الآن مع الأسف أغلب المشاهير إلا ما ندر منهم ليس لديهم رسالة واضحة وعميقة ونافعة
 يقدّمونها ..ودعونا نضع ألف خط على كلمة نافعة لأنّ الأصل في الرسالة هي النفع والفائدة
فالمتأمّل للساحة الإعلامية لا يجد من أغلبهم إلا غثاء وتهريجًا والكثير الكثير من التباهي
الذي في غير موضعه .. والجدير بالذكر أن المتلقي مؤمنٌ بأنّ أغلب  ما يتمّ طرحه على طاولة
المشاهير سيئ للغاية .. سيئ على مستوى البصر والأذن والعقل ..!
والغريب أنّ الأغلب يعرف أنّ ما يُقدّم سخيف  .. ومع ذلك نجد ما يُعرض باسم "الرسالة "
يُرَوج له بذريعة النّقد .. هذا النّقد الذي أخذ حيّزًا كبيرًا أيضًا على وسائل التواصل
دون أبجديات صحيحة أو دقيقة أو ترقى للمتابع ..ولن أخرج عن موضوعي الرئيس لأتحدث
عن النقد الذي سأفرد له مقالة خاصّة في الأيام القادمة ..

     ونعود لذلك الذي يرى نفسه مؤثرًا وناجحًا بسبب عدد المتابعين.. والذين قد يصلون لمرحلة
التبعية والدفاع عنه بتعصّب بغض النظر عمّا يقدّمه مع الأسف..!
وهذا هو خط الدفاع الأول بكلّ أسف والذي يدعم به المشهور نفسه ويدلل به على نجاحه فهو
 لا يحتاج أن يتكبد عناء الرد على الرافضين لما يطرحه بل يترك المهمة لهم  ..
وبالنّظر للأمر من عدّة زوايا نجد أنّه متشعب للغاية .. فليس المتابعين المندفعين وحدهم
سببًا في ظهور أمثال هؤلاء بل يساهم في ذلك الإعلام على كافة المستويات ..

      فالإعلام المعزز لهذه التفاهة وهذه الأمراض التي تتمثل في التهريج والسطحية والقشور
وانعدام الأهداف العظيمة والثقافة الراقية وتضليل الجيل بأفكار واهية وسخيفة تتصادم مع
واقع معيشتهم ..مع فكرهم .. مع مجتمعهم ..حتى مع ذاتهم .. يعدّ كارثة حقيقية !
ومعول هدم خطير لبنية المجتمع ..

     هذا الإعلام الذي يحتضن مثل هذه الفقاعات أصيب بشلل فلم يعد يقدّم ما يرقى للمشاهد ..!
مع أنّ هذه الفقاعات بنظري  سرعان ما يسهل انفجارها على يد المتابعين الذين يمتلكون وعيًا
حاضرًا ..وذهنًا متقدًّا .. وفكرًا عميقًا ..!
ولكنها تبقى فقاعة مثيرة ومميّزة عند النشء الذي لا يمتلك المقومات العالية للنقد ولا يمتلك
الثقافة العالية وما أكثرهم !.. فينخدع بما يُطرح ثم لا يلبث أن يكتشف زيف وخداع الشخصية
التي يتابعها ..!

      فالسطحيّة التي أصابت الإعلام الجديد بنكسة قويّة تغلغلت لتلتهم الإعلام التقليدي أيضًا
بسبب اكتساح هذه الفئة والتي شكلت اتحادًا لتفاهتها من أجل أن تبقى وتتصدر الواقع الذي
نعيشه ..فالشهرة الرخيصة هي هدفهم حتى لو تنازلوا عن مبادئهم وفكرهم وما يؤمنون به!
المهم أن يكونوا متواجدين على منصّة الشهرة بأيّ ثمن ..!
إذ أصبحت أغلب البرامج التي تستهدف الجيل الناشئ لا قيمة لها ولا هدف ..
وإنّي أتساءل ما الذي سيضيفه شخص حياته مكشوفة بشكل يومي على الملأ حتى تستضيفه
القنوات ويتهافت عليه إعلام المحطات التلفزيونية والإذاعية ؟!
لا شيء ، فقط زيادة متابعين ..! وهو هدف للقنوات التي بدأت تتجه للربحية أكثر من نشر
رسالة راقية للجيل والمشاهد ..
      وإذا تأملنا المشهد بشكل عام نجد في زاوية ضيّقة وُضِع ضوء خافت لبرامج المبدعين 
والمتميزين الحقيقين والذين قدموا خدمات لوطنهم ومجتمعهم ويسعون جادين لنهضة وطنهم ..
هذه الزاوية في نظري التي لا يراها إلا القلة من المثقفين والمغمورين هي مجرد واجهة فيما
لو سُئل الإعلام ما الذي يقدّمه للناشئة والشباب بشكل عام ..؟!
فنجد هذا البرنامج يظهر فجأة وكأنه ظهر من العدم .. وتتفاجأ بوجوده بسبب عدم الاهتمام به
 بين كل البرامج المليئة بالترهات والسخافات  ..

تخيّل أن تُلقي بحجر كريم صغير جدًا وسط جبال من القشّ .. !
الأمر صعب جدًا في البحث وقد لا نجد هذا الحجر الكريم نهائيًا ..

      إن هذا الإعلام سواء الجديد أو التقليدي  إذا استمرّ بتصدير هذه الفئة وإقحام سخافتهم التي 
ضقنا بها ذرعًا ودعمها سيتسبب بالدمار لقيمنا ومبادئنا وثقافتنا وديننا وموروثنا الشعبي القائم 
على البساطة والفطرة السليمة النقية !

      والحقيقة أنّه من المزعج اكتشاف أنّ إعلامنا فقير للغاية ..رغم ثراء إمكانياته ..!!
 فقير في أبجديات البحث .. وفي اكتشاف معنى الرسالة النافعة .. وكسول للغاية..! لا يريد أن
يُتعب نفسه بالبحث عن عظماء للمستقبل ..
يريد مشهورًا جاهزًا ومعلبا .. لديه عدد من المتابعين ثلاثة أرباعهم وهميين ..!

      ولأنّ الإعلام مؤخرًا وبكل أسف شديد لا يلتفت في غالبه للفكر وتعزيز القيم والاعتزاز 
بالعقيدة والاهتمام بالثقافة الراقية والتاريخ الذي يحفظ للمرء هويته يأتي دور الفرد .. هذا المتلقي 
المحاصر من إعلام ركيك.. في رأيي وفي الوقت الراهن تقع المسؤولية الكبرى عليه إذ يتوجب عليه 
أن يحسن اختياره لما يشاهد ..ينتقي ما يراه ..
نعم ، يطّلع حتى لا يكون وكأنّه قادمٌ من كوكب آخر .. وهذا الاطلاع هو بوابة لأن يكون له دور فاعل 
في التمييز بين السيء والجيّد ..والنقد بموضوعية بعيدًا عن التعصب والفوضى الأخلاقية ..!

     ففي الوقت الراهن أنت من يقرر الارتقاء بفكرك وثقافتك ..أنت من يقرر الاهتمام بما يتمّ عرضه 
إن كان نافعًا أو تافهًا .. أنت من يقرر الانطلاق في سماء العلم والفائدة بمن تختارهم ليثروا فكرك ..
فأنت أيها المتلقي يقع على عاتقك الجهد الأكبر في نبذ هذه التفاهات التي تكاد تصيبنا بالتخمة ..!

                                            
                                          الكاتبة

                                      حنان الغامدي 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<