الأربعاء، 29 مايو 2019

... حجر كريم وسط جبال من القشّ 2 ....



        ⛱ تخيّل !






     كنتُ قد بدأت في مقالتي السابقة عن الإعلام الجديد والإعلام التقليدي وكيف
أنهما انزلقا لمتاهة المشاهير الذين للأسف معظمهم بلا هدف أو رسالة سامية ..
لكن في مقالتي هذه سأسلط الضوء على زاوية ربما هي ذات ضوء خافت ..

    وقبل أن أدخل في التفاصيل دعوني آخذكم كيف كان الإعلام التقليدي الذي يتمثل
 في التلفاز والمذياع والصحف والمجلات  يلعب دورًا كبيرّا في بث ما يراه مناسبًا
للمجتمع حيث كان المصدّر الرئيس للأفكار والأخبار والمصطلحات التي يتداولها
الناس في المنزل في المدرسة وحتى الشارع وكانت لا تخرج في الغالب عن
 الذوق العام .. لأنها تتبع لجهة رسمية سواء كانت حكومية أو خاصة .. وفي
الغالب هذه الجهات تهتم بسمعتها كثيرًا وتهتم برأي المجتمع سواء أكان محافظًا
أو منفتحا ..فهي لا تتجاوز في مصطلحاتها ما تعارف عليه المجتمع ..

    ففي الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الثانية كان كلّ شيء مقبولا إلى حد ما ..
ولكن مع الانفتاح الذي بدأ تدريجيًا ثم متسارعًا أصبح من الصعب أن يحتكر الإعلام
 التقليدي السلطة .. ففلت الزمام وبدلا من أن يتوازن ويملك زمام الأمور بشكل مقبول
مع الإعلام الجديد بات الإعلام الجديد بوسائله هو المسيطر من خلال الجيل الجديد
الذي بدأ يصدر ثقافته وألفاظه ومصطلحاته للمجتمع ..
فأيّ شخص يستطيع أن ينشئ قاعدة إعلامية من خلال نوافذ البرامج المتاحة له سواء
تويتر أو الفيس بوك أو الإنستغرام أو غيرها من البرامج المتاحة في متناول الجميع
صغيرًا كان أو كبيرًا ..فهو لا يتبع لأي جهة سوى نفسه وعائلته ..

     ومن هذه القاعدة الإعلامية الحرة التي بدأت من خلال برامج شبابية  بدأت سلسلة
الألفاظ مع هؤلاء الأفراد الذين جذبوا الكثير من جيل الشباب والذين اعتمدوا على
الفكاهة والتندر إلى أن أصبح عندنا شخصيات معروفة باسمها ولها جمهورها الخاص
الذي يتابعها ..
وصارت منصّات  الإعلام بكل أنواعها ومختلف مجالاتها  تتنافس في إظهار
 المصطلحات الغريبة أحيانًا والتي يتداولها الشباب حتى لو لم تكن مناسبة .. لأنهم
الفئة الأكثر متابعة والمتواجدة على ساحة التقنية ..

     والمشكلة ليست في نشر الأفراد لأن كل فرد يمثل نفسه وفكره وبيئته .. فهو حر 
فيما ينشر مالم يصادم الفكر والعقيدة والذوق العام ..بل في الإعلام الذي بدأ يساهم
مساهمة كبيرة في إظهار هؤلاء الشباب على أنهم قدوة رغم سقطاتهم ..
وأفكارهم وبذاءتهم في بعض الأحيان ..
فنجد الانتشار الرهيب لمقاطعهم من الذين يسمون أنفسهم نقاد على وسائل التواصل
الاجتماعي ثم تتم استضافتهم من خلال القنوات والبرامج  ليبرروا للناس والمجتمع
سبب أفكارهم أو ليقوموا بالاعتذار إنا عن لفظ أو سلوك ..!!

    وأنبّه هنا أن الشهرة هي في الانتشار فقط وليس القبول فأغلب المتابعين والجمهور
يرفض هذه الأفكار وينقدها وربما تعرض الشخص لهجمة شرسة من الجميع ..
ولكني لاحظت أن بعض الشخصيات التي ملأت المكان بسخافاتها مع الأسف تظهر نوعًا
من التحدي والإصرار وتطلق على من يقف في وجه الأفكار المنبوذة والمصادمة
للمجتمع بأنهم أعداء النجاح .. وبأنه لو لم يكن ناجحًا ما كان كل هذا اللغط حوله ...!!
وكلهم بدون استثناء هذا تحليلهم إذا هوجموا وتم نزع أقنعتهم الجميلة ليتضح بعدها
الوجه المفزع لهم باسم الحرية والنضال والكفاح في سبيل الوصول للهدف المضحك
وهو الشهرة لا غير ..

    يا للسخرية ورداءة التحليل والاستنتاج والهدف !
الأمر كارثي .. نحن نعيش في زمن العجائب وزمن المفاهيم المغلوطة ..!
وبعيدا عن الصدمات التي نشعر بها ونحن نسمع أو نرى هذا الغثاء كل يوم
دعونا نتخيّل قليلا ونخرج من الواقع المرير الذي فاق التصوّر فيما هو سيء ..

    تخيّل معي أيها القارئ لو أنّ القنوات والنقاد هذا إن صحت تسميتهم نقاد تبحث 
عن شخصيّات مميّزة تنشر الإيجابية من خلال فكرها الثقافي الممتلئ ..أو من خلال 
ما تطرحه من أبحاث .. أو مشاريع خاصّة مميّزة نجحت بها ..أو شخصيّة تميّزت في
 الهندسة .. في الطب .. في التعليم ..

    هل يعقل أنه لا يوجد شخصيّات إبداعية يظهرها لنا الإعلام بشكل يليق بالمشاهد 
والمتلقي الذي أصبح أكثر وعيًا ورقيًا مما يتصوّر ؟!

    هل حقًا تعليمنا قاصر لهذه الدرجة ولم يستطع تخريج شخصيّات تصدّر لنا ثقافة
 متميزة تمتلئ بها بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا من جديد..؟!

   عيب إعلامنا أنه لا يحترم المشاهد كثيرا ..!

     وأعتقد أنّ الخلل ليس في وجود شخصيّات إبداعية .. مؤكد موجودة ولكن لا يوجد 
إعلاميون يمتازون بالحوار والثقافة الراقية والقوة في الطرح إلا نادرا ..
وهذه حقيقة تثبتها البرامج الموجودة على الساحة .. فقط انظر للضيوف والمضيف ..
وأظنّ أن هذا السبب المنطقي الذي يمنعهم من استضافة شخصيات تفوقهم معرفة وثقافة 
حيث ستظهر ضحالة فكرهم .. وعدم قدرتهم على إدارة الحوار بشكل يليق بالضيف ..!

      الخيال جميل ورغم كونه لا يستحيل تحقيقه إلا أنّه سيظلّ خيالاً ما لم يتدارك إعلامنا
 هذه النكسة الخطيرة التي طالت مدّتها ..!  


                                                الكاتبة

                                     حنان الغامدي 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<