السبت، 26 سبتمبر 2020

♨.. يومًا ما .. 9 ..♨


سلسلة  

                                                -          9     -

                        أمـــــرٌ مـــــريب  ! 




       -          1     -

-           _ أعلم أنّ آلية الاتصال هنا معقدة .. ولكنّك

    ستعتادين على الأمر في النهاية ..

       كانت السيدة التي نطقت بهذه العبارة تجلس

أمام فاتن  في غرفة الجلوس ..  بدت تلك السيّدة

في منتصف الخمسين لكنّها مختلفة عن كلّ السيدات

اللاتي قابلتهنّ فبمجرد النّظر إلى السترة الرسمية

والسروال ذا اللون الكحلي والقميص الأبيض والشعر

 القصير جدًا وملامحها الباهتة التي تخلو من أيّ

 زينة سوى مرطب بلون زهري وكحل خفيف 

 تعطيك انطباعًا عن شخصّيتها الغريبة ..

كانت تلك السيّدة تنظر للعاملة التي جاءت لتضع

 الهاتف وتتأكد من أنّه يعمل .. إلاّ أنّ فاتن قالت  

وهي تقدّم لها القهوة :

_ إنّها ليست آلية معقدة فقط بل هي آلية مستحيلة

يا سيّدة نور !

ابتسمت السيّدة نور وهي تأخذ كوب القهوة

قائلة :

_ لا أعتقد أنّها مستحيلة فنحن نعيش على هذه

 الآلية منذ سنوات و رغم صرامتها لم يعترض

أحد على استحداثها !

_ هل تعنين بأنّها لم تكن موجودة ؟!

_ سأكون صريحة معك .. لم يتم استحداث

هذه الآلية إلا قبل خمسة عشر عامًا فقط .

_ لكن لماذا ؟! ما الداعي لكلّ هذا التضييق !

هل تعلمين بأنّ هاتفي الخلوي في درج مكتبي

منذ أن أتيت إلى هنا  لم يعد له قيمة حاليًا ..

 في حين أنّي دفعت باقة الشبكة كاملة على مدار

سنة كاملة ؟

_ حسنًا بغض النّظر عن هاتفك المهمل .. هناك

أحداث كثيرة  سمعتُ بها ولم أعاصرها ..

في تلك اللحظة قاطعتهما عاملة الهاتف :

_ أعذراني أحتاج أن أجرب الهاتف هل يعمل

في بقية الغرف أم لا ؟!

ردّت فاتن عليها  :

_ يمكنك ذلك سترافقك نارين ..

_ شكرًا لك ..

بعد خروج العاملة قدّمت فاتن قطع

البسكويت للسيدة نور وهي تقول :

_ هل تعتقدين بأنّ فتح الشبكة لمدّة محدودة

في  الإجازة أمر منصف  ؟! إضافة إلى ذلك

أنّ الهاتف الذي تدور به هذه السيدة لتجربه

في أرجاء المنزل لا يعمل بشكل مباشر إلا

داخل الوحدة السكنية .. ويعمل بشكل محدود ..

يعني خمس اتصالات في اليوم فقط  ..

استطردت فاتن وهي تبتسم بسخرية :

_ ما هذا هل أنا في معسكر ..؟!

رشفت السيدة نور من قهوتها ثم تنهدت وهي

تجيب :

_ الأمر لا يتعلق بالإنصاف هنا .. إنّه يتعلق

بالمصلحة العامة .. هناك أمور حدثت استدعت

وضع مثل هذه القوانين ..

_ مثل ماذا ؟

_ قلت لك بأنّي لم أعاصرها ..

ثم احتست من قهوتها وهي تنظر للنافذة

وإطلالتها قائلة :

_ لديك منظر جميل هنا ..!

ثم عادت لتنظر لفاتن التي قالت  بامتعاض :

_ إلى أيّ مدى كانت القوانين مفتوحة

فيما يخص آلية الاتصالات ؟!

تنهدت السيّدة نور وهي تضع كوب قهوتها :

_ اعتقدتُ بأنّي سأنوب عن السيدة سُعدى في توقيع ٍ

وليس في شرح تفاصيل مفروغ منها !

_ حسنًا أعتقد أنّ من حقي أن أستفسر عن التفاصيل

قبل أن أوقع سيّدة نور .. كل ما طلبته هو توضيح 

بعض الأمور المتعلقة بهذه التفاصيل  ..

مسحت السيّدة نور على رأسها ثم قالت وهي تحاول

أن تضبط نفسها :

_ اسمعي يا سيّدة فاتن .. لقد أتيت لأحدد معك

المواعيد المناسبة فيما يخص العاملة نارين ..

لأنّ هذا هو عملي أنت تعلمين بأنّ السيدة سُعدى

 تعاني من عارض صحي لذا طُلِب مني أن أحلّ

 مكانها فيما يخصّ آلية الاتصال .. ووافقت ظنًا

مني بأنّ الأمر منته ومجرد إجراءات روتينية

لا أكثر ..  

رانت فترة صمت بينهما قطعتها عاملة الهاتف

وهي تحمل الهاتف الكلاسيكي في يدها وتخاطب

السّيدة نور  :

_ سيدتي  لقد انتهيت ..

التفتت لها قائلة :

_ جيد .. انتظريني إذا سمحت في الخارج ..

_ حسنًا ..

وضعت الهاتف على الطاولة وخرجت ..

وبخروج العاملة قالت فاتن :

_ سيّدة نور أقدّر جدًا مجيئك واهتمامك

ولكنّي رغبت أن أعرف الأسباب التي دعت 

المُلاّك لوضع أنظمة كهذه .. أردت أن أقنع 

نفسي بأسباب منطقية ..هذا كلّ ما في الأمر ..

ابتسمت السيّدة نور ثم قالت :

_ إذن مادامت المسألة إقناع فمع مرور

الوقت ستقتنعين وستكتشفين الأمر بنفسك ..

وقفت بعد أن تنهدت ثم التفتت واتجهت

تنظر من النافذة قائلة :

_ صدقيني سيّدة فاتن .. هناك الكثير من

الأمور لا نحتاج أن نبحث فيها عن أسباب

منطقية لنقنع أنفسنا بها  .. بل مواقفنا

وتجاربنا الخاصة كفيلة بأن تقنعنا ..

تفاجأت فاتن من عمق المشاعر التي تحملها 

هذه السيّدة بين ثنايا كلامها ..

وبينما فاتن تتأمّل كلامها استطردت السيّدة

 نور قائلة بعد أن استدارت مواجهة إيّاها  :

_ إذن ماذا هل ستوقعين ؟!

_ بالطبع سأوقع .. أنا لم أقل بأنّي لا أرغب 

بذلك .. فكما شرحت لكِ سابقًا الأمر مجرّد 

اقتناع وإجابة على تساؤلات شعرت بأنّ 

من حقي الحصول على إجابة لها شأني 

شأن أيّ شخص يمتلك منزلاً في بقعة أرض

 جديدة عليه ..

ثم أمسكت بالقلم ووقعت على الاتفاقية الخاصة 

بآلية الاتصال .. ثم قدمت لها السيدة نور أوراق 

مواعيد العاملة وهي تقول لها :

_ كما اتفقنا .. الأربعاء والخميس والأحد ..

_  أجل ..

وقامت بالتوقيع مباشرة .. حينها قالت 

السيّدة نور :

_ إقامة سعيدة وعلى بركة الله ..

_ شكرًا لك  ..

واتجهت السيدة نور للباب ورافقتها فاتن 

قائلة :

_ شاكرة لك اهتمامك ومجيئك ..

_ لا شكر على واجب كما يقولون ..

آه بالمناسبة .. أود أن أذكرك بأنّ الهاتف

 سيبدأ العمل من يوم السبت ..

ثم ابتسمت وهي تقدّم لها دليلاً متوسّط الحجم

قائلة :

_ هذه قائمة مفاتيح الأرقام الخاصّة بجميع

الوحدات السكنية ..

أخذت الدليل منها وهي تشكرها قائلة :

_ مع أنّه لا فائدة منها لكن شكرًا لتزويدي

بها ..

نظرت لها السيدة نور وهي تحاول أن تخفي

ابتسامتها وأكملت طريقها برفقة فاتن حتى

وصلتا للباب الرئيس ..

في حين قالت السيّدة نور مخاطبة العاملة :

_ مارثا .. يمكنك أن تسبقيني ..

خرجت مارثا في حين التفتت لفاتن هامسة

بعد أن تأكدت أنّ نارين دخلت لجمع الأطباق

من غرفة الجلوس :

_ إن أردت أن تقفي على تفاصيل قوانين

الاتصالات يمكنك أن تجديها في المكتبة

العامة .. !

قالت فاتن بدهشة :

_ مكتبة ..!

أشارت لها السيدة نور هي تغمز بعينها

مشيرة لها بأن تخفض صوتها .. ثم خرجت

من الباب الرئيس تبعتها فاتن بذهول وهي

تقول :

_ غريب .. لم تخبرني السيّدة آمال بشأنها ..

ردّت نور بسرعة وهي تركب السيّارة :

_ السيّدة آمال لا يمكنها أن تكون دليلاً شاملاً .. 

والآن إلى اللقاء يا عزيزتي ..

تحركت السيارة تاركة فاتن تنظر لها وهي تبتعـد 

بذهول :

" لماذا همست لي ؟! لم ترغب في أن تعلم 

حتى نارين بالأمر  !

يا لهذا المكان الذي أصبحت من سكانه ..

إنّني فعلاً أعيش في مدينة شبه مستقلة ..

بدأت أشعر أنّي في مدينة كبيرة تعجّ بالنساء

لكن هل يعقل بأنّ النساء فقط هنّ من يسكنّها ؟!

يا له من شيء محيّر ولا يُصدّق .."

كانت أفكار فاتن تبحر بها في محيط لا تعرف

نهايته .. لقد  شعرت بأنّها كبحارتائه يريد

 الوصول لبرّ الأمان بأسرع ما يمكن .. لقد

 اكتشفت أنّها ليست في مكان عادي كما 

ظنّته !


       -         2     -

      في  المساء كانت فاتن تسترخي على الأريكة

في غرفة مكتبها .. وبين يديها ورقة وما إن

انتهت وضعت الورقة جانبًا وتأملت سقف

الغرفة بحيرة  :

"هكذا إذن .. لن ترافقني غدًا بالرغم

من أنّه إجازة .. مشغولة .. غريب ..

خسارة تمنيت أن تكون معي  في جولتي

الأولى .. "

وبينما هي غارقة في أفكارها إذ فاجأتها

نارين بطعام العشاء ..

نهضت فاتن واعتدلت في جلستها  ..

ثم نظرت للعشاء وهي تقول :

_ ياه العشاء .. أشعر بأنّ شهيتي للطعام 

ازدادت .. شكرًا لك ..

ثم استطردت قبل أن تخرج نارين :

_ هل ستغادرين غدًا ..؟

_ أجل سيدتي .. الساعة السادسة ..

_ مبكر جدًا ..

_ هل تريدين شيئًا ؟

_ كلا .. ولكن وددت أن تكوني متواجدة

في يوم خروجي الأول ..

_ هل ستخرجين غدًا ؟!

_ نعم ، وسأخرج باكرة ربما الساعة الثامنة

وقد لا أعود إلا الحادية عشر ..

_ حقًا ؟! أ ستخرجين في هذا الوقت ؟!

_ لم أنت مندهشة هكذا ؟! الأجواء بدأت في

 التحسن .. أنا متحمسة للغاية ..

_ الوقت ..؟!

_ إنّه ليس وقتًا طويلاً مجرّد أربع ساعات

لسيّدة لم تتعرّف بعد على المدينة التي ستستقرّ

 فيها .. إنّها البداية فقط ..

_ لكن !

لكن نارين استطردت :

_ أرجو لك وقتًا ممتعًا يا سيدتي ..هل تريدين

شيئًا ؟

_ لا ، شكرًا لك نارين ..

خرجت نارين بينما أسرعت فاتن لتضع

رسالة نسرين في درج مكتبها ..

بعد أن تناولت فاتن عشاءها .. كانت تسترخي

على سريرها وبين يديها رواية الدجاجة التي

حلمت بالطيران .. كانت تلتهم الرواية وهي

بين مبتسمة تارة ومتأثرة  .. لقد شعرت للحظة

أنّها الدجاجة .. ورغم أنّ الرواية مثيرة إلا

أنها استغرقت في نوم عميق ..!


       -          3     -


         ها هو الصباح يطلّ بجماله .. حيث الشمس

التي تلقي بأشعتها من النافذة على مكتبها ..

 أصوات العصافير .. النسمات اللطيفة ..

والتي أصبحت باردة مؤخرًا ..

فالخريف على الأبواب .. والأجواء الغائمة

بدأت تكسو السماء .. لقد استعدّت فاتن

لمناسبة خروجها في اليوم الأول بتنورة

قصيرة ذات لون وردي من درجات الباستيل

 وحذاء طويل العنق لمنتصف الساق ..

وقميص أبيض بأكمام قصيرة من الشيفون

مطعّم بالدانتيل النًاعم  ..

تناولت فطورها .. واعتمرت قبعتها ..

وخرجت في تمام الساعة الثامنة ..

" يا للجمال .. ! "

سارت حتى خرجت من سور حديقتها ..وهي 

منتشية بروعة الأجواء هذا الصباح ..

واتجهت يسارًا .. توقفت أمام المنزل المجاور

لها ثم نظرت لمنزل نسرين في الجهة الأخرى

ثم تساءلت : 

" ما شكل السيدة التي تعيش بجواري من

هذه الناحية .. ؟! لمحت الطفلة أكثر من مرة

لكني لم ألمح سيدة المنزل و لا مرّة ! "

أخذت تتأمل المنازل والشرفات والحدائق

وهي تسير بمحاذاتها .. إذ كل حديقة تعطي

انطباعًا عن صاحبة المنزل .. فزهور القرنفل

البيضاء هنا .. وهناك في المنزل الآخر دوار

الشمس .. هذا عدا عن الريحان .. والنعناع ..

" يا للرائحة الزكية "

وبدأت تسير وتتأمل المنازل .. والأشجار

المنظمة والمشذبة بين المنازل ..  ثم التفت

 يمينًا ويسارًا :

" غريب  !  لا أحد .. أين ذهب الجميع ؟! "

ثم تابعت وهي تتلفت :

" أيعقل هذا .. ؟! لا يوجد أيّ سيدة خارج

المنزل  اليوم .. معقول ؟! "

لقد كانت لوحدها فعلاً  فطوال الطريق الممتد

من منزلها لم تكن هناك أيّ سيّدة تسير أو تجلس

في حديقة منزلها .. عند نهاية الطريق انعطفت

 يسارًا واستمرت بالمشي  وهي تتلفت علها تجد 

من تتحدث إليه :

" الأمر مريب .. فعلاً لا أحد .. "

كانت المنازل المحيطة بها هادئة .. إلا من

حفيف الأشجار .. وتغريد الطيور .. ولكنّها مع

 ذلك قررت المتابعة فهي لن تفسد أوّل 

خروج لها من أجل مجموعة سيدات لديهنّ 

ظروفهنّ .. ومع ذلك لم تستطع تجاهل الأمر 

مرّت خمسة عشر دقيقة وهي تتأمّل المنازل 

والأزهار .. دون أن ترى ظلاً لامرأة واحدة ..

تنفست بعمق إلى أن رأت أخيرًا في أحد

الممرات التي بين المنازل سيدتين تجلسان

في حديقة المنزل  

" أخيرًا ..! "

اقتربت منهما حتى سور المنزل كانتا تبدوان 

على أعتاب السبعين ..تأملتاها السيدتين بدهشة .. 

في حين قالت الأخرى :

_ لا أصدق .. انظري يا مها من أمامنا !

ردت عليها الأخرى :

_ سيدة جميلة تطلّ علينا في مثل هذا الوقت !

عادت إحدى السيّدتين تتفحص ساعة يدها

ثم أردفت:

_ إنّ الوقت الساعة الثامنة والنصف تقريبًا

إنّه موعد فطورنا المعتاد ..  

_ إذن لا أصدق حقًا ما أرى .. كيف لها أن

تخرج في مثل هذا الوقت ؟!

_ ربما هي تائهة تبدو نزيلة جديدة لم أرها

من قبل ..

_ وهنا تكمن الغرابة في خروجها في مثل

هذا الوقت رغم أنّها نزيلة جديدة .. مؤكد

هناك خطب ما ..

كانت فاتن تسمعهما بوضوح .. تلفتت يمينًا

ويسارًا .. إنّها حقًا الوحيدة التي في الخارج

وأمامها هاتين السيّدتين اللتين تقولان كلامًا

 لا تستطيع تفسيره ..

" لماذا لا أحد في الخارج  ؟!

ثم لماذا هما تستغربان من خروجي في

مثل هذا الوقت ..؟!

أنا حقًا بدأت أشعر بالخوف .. "

...   يـتــبــع   ...

                       الكاتبة

                   حنان الغامدي

هناك تعليقان (2):

  1. إنِهّآ جّمًيَلَةّ جّدٍآ وٌ مًشُوٌقُةّ، مًتٌحًمًسِةّ لَقُرآءةّ بًقُيَتٌهّآ

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدني جدًا اهتمامك .. هاهو الفصل العاشر بين يديك ..

      حذف

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<