الخميس، 10 يناير 2013

نســــاء مــن زمــــن الرحـــى ...!!





تم نشر هذا المقال في صحيفة المدينة  بتاريخ :  28 / 2 / 1434 هـ -  10 / 1 / 2013 م


 


.. تجلس بين أحفادها الآن تنظر للتلفاز .. وعلى آثار يديها شقاء زمن مضى ..تتحسس راحة يدها التي امتلأت

بندوب من الماضي البعيد..ذلك الماضي الذي حملته معها في ذاكرتها لتحتفظ به..بالرغم من آلامه وحزنه

إلا أنها تؤثر الاحتفاظ به وتعتبره كنزًا عظيمـًا..بل تاريخـًا مجيدًا ومشرّفـًا..لأنها ترى ثمرة نتاجها وجهدها

وتعبها ماثلة أمام عينها..تلك السيدة التي شارفت على بداية التسعين _ وغيرها كثيرات _ ناضلت وكافحت

وعاشت شظف العيش لتؤمّن لأبنائها حياة الرخاء في زمن الرحى..

ذلك الزمن الذي تقطعت فيه يدها وانحنى فيه ظهرها  وهي تدير عجلة يد الرحى لتطحن حبوب القمح..

ليس هذا فحسب بل عليها أن تستيقظ قبل خيـوط الفجر لتسقي الثور..وتهتم بالبقرة هذا إن كانت تملك بقرة

وتخرج للوادي بعد أن تعد الفطور لزوجها وأهله فهي ملزومة بهم إذ لا خيار لها..ثم تذهب للوادي وتعود في

الظهيرة حتى تعدّ الغداء..وتعود مرة أخرى في المساء لتعدّ العشاء وتنام بعدها مهدودة الجسد كالقتيلة..

عدا عن اهتمامها بأبنائها بكل ما تستطيع فهي بالكاد تجد لنفسها وقتـًا..وربما لا تجد البتة..بل ربما أحيانـًا

تكاد تنسى ملامح وجهها لأنه ليس لديها الوقت لتنظر إليه في المرآة لأيام عدّة..! هذا غير المضايقات والظلم

والقهر الذي تتعرض له..سواء من سلطة الزوج أو الأهل..فهناك قصص وحكايات عجيبة نظنها حين نسمعها  

للوهلة الأولى أنّها من ضرب الخيال ولكنّها حقيقة عاشتها بتفاصيل نسجتها من نضالها وكفاحها..

إنّها تعيش الآن عصر الراحة والرخاء..الذي كانت تتمناه في أوج شبابها..تنظر لحياة الرفاهية المطلقة التي يعيشها

أحفادها بابتسامة الحالم غير المصدق..

ومع ذلك نجدها كلما ذكرنا الماضي تغرورق عيناها بالدموع في حنين وشوق إليه مع بعض الحنين والكثير

من الأمنيات لعودته! لماذا ؟!هل هي غير مرتاحة..؟! أيعقل مع كلّ هذه الرفاهية مقارنة بالحياة القاسية التي

كانت تعيشها ؟!

كنت أتساءل كثيرًا بدهشة حين أجد أولئك النساء العظيمات التي كان لهنّ شرف معاصرة أجيال حتى جيلنا هذا

وأعني بذاك جداتنا وأمهاتنا يتمنين العودة لذلك الماضي..!! كنت أتمنى الغوص في أعماق إحداهنّ لأضع

يدي على السبب..!!ولكني الآن وبعد سنين عرفتُ السبب..عرفتُ أنه لم يعـد هناك أحد يهتم بهنّ..أو يبذل جهدًا

لتحملهنّ..أو حتى سماع قصصهن وحكايتهنّ التي يُعدْنـها للمرة الألف..بل نجد أنّ التذمر من الأبناء والأحفاد وجد

طريقه وبقوة..بل ربما المعاملة القاسية حتى لو بالكلام..وكأنّه لم يكفهن ما عانينه في حياتهنّ السابقة!!

عدا عن الاستهتار بمشاعرهنّ والتي أظهرتها مقاطع اليوتيوب مؤخرًا..والتي تشعرنا بانعدام الاحترام والتقدير

لهؤلاء الكبيرات..والتجرؤ على حقوقهن وانتهاك بساطة تفكيرهنّ..فبدلا من أن نكافئهنّ نمعن في انتقاصهنّ

ونجهز على ما تبقى من كبريائهنّ..

محزن حقـًا ما رأيتُه ورآه الكثيرون..بل وتناقله الأغلبية من باب الفكاهة والضحك ! مع أنّها رسمت مسيرتها

بالكثير الكثير من الشموخ الممزوج بدموع طالما أخفتها عن نظيراتها من النساء حتى لا يضحكن منها!

أيّ مفارقة هذه ؟! وأيّ خزي نعيشه ونترك أبناءنا وأحفادنا يوغلون فيه..

 فهل نعيد أيّها الأحفاد والأبناء أبجديات تعاملنا..؟! وننظر لهنّ على أنّهن عظيمات عاصرن أجيالا عدّة 

عشن فيه تقلبات وتغيرات كثيرة يمكننا أن نستفيد منهن وأن نستمتع معهن.. 

وأن نحرص بقدر ما نستطيع أن نوفر لهنّ القدر الكافي من الراحة الحقيقية التي افتقدنها منذ نشأتهنّ..!

 وأن نجعلهنّ يشعرن بأنّهن ختمن مسيرتهن بالسعادة التي طالما تمنينها لأنفسهنّ حينما

كنّ في زهرة شبابهنّ..نريد أن يعي المربون هذه النقطة وأن نتكاتف جميعنا في أحياء قيمة تقدير الكبير 

واحترامه وهيبته ...



الكاتبة 

حنان الغامدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<