الجمعة، 3 نوفمبر 2017

... الروايات السوداء ...






      لا شيء أسوأ من أن تداهمنا ثقافة ضحلة تسكن عقول أولئك الذين
تمردوا على ثقافتهم وفكرهم لتجارب فردية خاصة .. ولست معنية بالحديث
عن تجاربهم الخاصة أو أبحث عن الأسباب التي أدت بمثل هؤلاء أن يُخرجوا
لنا مخرجات سخيفة لا هدف لها سوى مخاطبة الغرائز باسم الكتابة وباسم
الأدب وهي أبعد ما تكون عن ذلك ..!
ما يهمني هو ثقافتي وفكري وكيف أحافظ عليها وسط كلّ هذه العشوائية
التي نمرّ بها.. ومع كلّ ما نمرّ به من تخبط علينا أن ننقد كلّ ما يخالفهما
بموضوعية وحيادية ..!
      وإذا اطّلعنا على النصوص التي تخرج لنا باسم الأدب في وقتنا الحالي
نجدها كثيرة .. ولكن إن عددنا ما هو أدبيًا في اللفظ والفكر والثقافة والخيال
والفكرة الأصيلة مع الأسف نجده محدودًا ويُعدّ على الأصابع ..!
      فالأدب الراقي هو الذي يكسبك ذوقًا رفيعًا على كلّ المستويات ابتداءً
 باللغة مرورًا بالفكر والثقافة وانتهاءً بالقيم .. هذا هو الأدب الذي يجب أن
 نقرأه .. وأن نكتبه ..
إنّه رسالة سامية إذا تلطخت بألفاظ بذيئة وانحطاط يصبح دعوة للرذيلة أكثر
من أن يكون  إصلاحًا ورقيًّا واستمتاعًا ..وأذكر مرّة أنّي قرأت تقريرًا عن
رواية من الروايات وأنها منعت في فرنسا لأنّ بطلتها تدعو للرذيلة والانحلال !
تساءلت في نفسي ما حجم الانحلال والرذيلة عند فرنسا ؟!
هذا التساؤل دفعني لقراءة الرواية ..
الرواية لا يوجد بها كلمات خادشة للحياء ولكن لأنّ بطلتها متزوجة وخانت
زوجها ..
والغريب أنّي لم أجد الكاتب استخدم ألفاظًا سوقية أو غير مهذبة ..أو أقحم
وصفًا مهينًا وغير راقٍ ليصف خيانة الزوجة ..
لكنّي وجدت أنّ الكاتب في الرواية جعل من يقرؤون الرواية يتعاطفون مع
خائنة .. خانت الرباط المقدّس وهو الزواج .. وهنا الكارثة حين تتعاطف
مع الرذيلة وتدافع عنها وتبرر لها باسم الطموح والانطلاق والحقوق..!
فرنسا التي أهدت أمريكا تمثال الحرية تخاف على ثقافتها وعلى فكرها وعلى
قيمها الخاصّة التي تفخر بها .. ولذا منعت الرواية ..
والمنع لا يعدّ تطرفًا ولا انغلاقًا إن مسّ الدين والقيم والفضائل بل هو إصلاح ..
وأنا هنا لا أدافع عن كتّاب الغرب فلهم فكرهم وثقافتهم وانحلالهم وسقطاتهم
 ولكنّي قرأت لبعضهم روايات وصلت للعالمية ولم أجد فيها هذا الهراء الذي
 يُسمّى عندنا أدبًا ..
       وبعيدًا عن كتًاب الغرب الذين سبقونا بمراحل في الإبداع الروائي دعونا
 ننظر لأغلب كتّابنا في الأدب السعودي بالأخص _وأقول أغلب لأنّي لا أحب
 التعميم وهضم الحقوق فالتعميم لغة الجهلاء _ ماذا قدموا للأدب كفنّ ورسالة
وقوّة وطرح ؟!
للأسف حتى الفكرة حين تكون رائعة تكون الحبكة ضعيفة وهشّة لا تشجعك
على المضي قُـدُمًا ..
وحين تكون الحبكة رائعة والأسلوب مميزًا تكون الفكرة مستهلكة لا جديد فيها
 تتوقع أحداثها وحتى نهايتها ..أو تكون أفكارها وشخصيتها بأسماء أجنبية بحتة
وكأنّ الأدب الغربي يحتاج منّا أو ينتظرنا لنثري مكتباته وثقافته ..
بل كأنّ الرواية لا تصلح أن تكون أحداثها وأفكارها عربية ..!
تناقض غريب وانهزامية لا حدود لها !
وإذا كتبوا عن واقعنا كتبوا عن الحب والوله كقضيّة وكأنّما القضايا جميعها
انتهت .. المشكلة أنّ البعض منهم يكتب بأسلوب يستفزّ المجتمع .. يكتب بانحلال
وبلغة سافرة لا تراعي ثقافتنا ثم يقول بأنّه واقعنا ..
لا أنزه مجتمعنا فليس مجتمعًا ملائكيًا ولا يوجد على هذه الأرض مدينة أو شعبًا
كاملاً فلست ضدّ الكتابة عن واقعنا .. اكتبوا عن واقعنا أو اكتبوا إن شئتم عن
الحب هذه القضية المستهلكة .. أنتم أحرار فيما تكتبونه ولكنكم لستم أحرارًا في
تشويه أدبنا بألفاظ سوقية .. اكتبوا بلغة مهذبة .. انتقوا ألفاظكم .. هذبوها ..
نعم ، يجب على الأديب أن يختار ألفاظه بعناية لترتقي روايته للأدب الراقي ..
الأدب الذي يقرؤه عامّة الناس دونما قلق أو توجس أو خوف ..
هذا هو الأدب الحقيقي والرسالة التي تكون للجميع بلغة راقية تراعي
 فكر وثقافة المجتمع وتحترم جميع الطوائف والمذاهب والتيارات .. هذه هي
الحرية الأدبية العميقة التي أتمنى أن نصل لها ..
      مشكلتنا الآن أنّ من كتب بضعة أسطر أصبح كاتبًا رغم أنّه لا يعرف أبجدية
 الكتابة أو قواعد الكتابة .. يكتب ومع ذلك ينتهك أسس الكتابة فهو يكره القواعد
والإملاء والشعر ولا يحب القراءة ..
وربما يكتب وهو لم يطرق باب القراءة الحرّة أي لم يقرأ كتابًا واحدًا خارج أسوار 
المدرسة !
وربما تم تصنيفه مثقفًا لأنّ له عامودًا في إحدى الصحف ..
بل إنّ البعض لا يعي الفرق حين تكتب كارولينا الفتاة الغربية أوجون الرجل الغربي 
وحين تكتب ريم الفتاة العربية المسلمة أو خالد الرجل العربي المسلم ..!
ولا يعي أنّ هناك فرقًا بين الانفتاح والانحلال ..
والحرية والفوضى ..
يجب أن نعترف أنّ الكثيرين أصبحوا يتطفلون على عالم الكتابة .. والفكر ..
والثقافة .. وهم ليسوا أهلاً حتى لحمل قلم واحد ..!
      وأخيرًا .. لكلّ من يفكّر أن يحمل قلمًا ليكتب لا تعتقد أنّ الإبداع هو
في انتهاك الدين والقيم والفضائل التي يتمسك بها مجتمعك .. ولا تعتقد أنّك
 ستطرق أبواب المجد الأدبي بهذه الطريقة لأنّها شهرة رخيصة سرعان ما
ينساك الناس بعدها .. وإذا تذكّروك تذكّروك بسوء ما كتبت ..!
     وإذا أردت أن تكتب كن كاتبًا معتزًا بهويتك وكلّ ما يمتّ لها بصلة .. اكتب 
بفخر عن أرضك وقضايا مجتمعك برقي  باختصار لا تكن كتاباتك سوداء مشوّهة 
بفكرٍ وثقافة مستوردة لا تشبهك  .. لتترك تراثًا أدبيًا تفخر به الأجيال القادمة ..

                                   
      الكاتبة 

       حنان الغامدي 

هناك تعليقان (2):

  1. جميل ماخط قلمكـ ،اول مره اقرأ لك موضوع و افتخر بوجود كاتبه سعوديه مثلك تتمتع بالرقي بأختيارها للمواضيع وللكلمات ... تقبلي مروري المتواضع

    ردحذف

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<