الأربعاء، 19 يونيو 2019

♨ .. النّاقد الحقيقي ..♨




      قبل عدّة سنوات تقريبًا ألقى أحدهم قصيدة رائعة والخلل الوحيد
كان في إلقائه للقصيدة .. هذا الشاعر لم يسئ لأحد .. لكنه رغم ذلك
لاقى سخرية وتهجّمًا رهيبًا وبشعًا باسم النقد وحجّتهم أنّه طالما ظهر
أمام الملأ عليه أن يتحمّل ..
      لم يكن بالطبع ذلك الهجوم نقدًا بل كانت أشبه بحرب  شرسة
وقاسية وصل فيها بعضهم لشخصه ومذهبه وشكله...إلخ
وليس هو الوحيد الذي كان محطّ سخرية باسم النقد .. بل جاء بعده
ضحايا كُثُر للنقد .. ومازال الوضع مستمرًّا مع الأسف..
 فسوق النقد مفتوحًا للمتطفلين الذين يتحدّثون باسم النقد والتي لا تمّت
 ألفاظهم للنقد بصلة ولا حتّى الثقافة التي يمتلكونها توصلهم للنقد
بالمعايير الصحيحة ..

     ولو أتينا لننظر للنّاقدين في المجتمع نجد منهم الشباب الساخر
المتعطّش للضحك والمتعة أكثر من كونه المختصّ الذي يكون على
 درجة من الوعي والثقافة التي تؤهله لهذا الفنّ الراقي الذي هدفه
 إصلاح المجتمع والارتقاء به ..

      ومنهم من أخذ النّقد تجارة له وهؤلاء هم نقاد وسائل التواصل
الاجتماعي وهدفهم هو الشهرة لأن تركيزهم على نقد الفن والمشاهير
بعيدًا عن القضايا الاجتماعية  التي لم تعد حاضرة .. إذ انزلقوا للكثير
 من التفاهات والترهات وإظهار كل غريب بل اكتفى أغلبهم ببعض
المقاطع دون كتابة أي نقد يظهر وجهة نظرهم سواء إيجابًا أم سلبًا!
وكأنه يقوم بإعلان ويتقاضى أجرًا لقاءه .. بل ويترك الساحة  
للجماهير الشعبوية  فيختفي وسط أكوام من السباب والشتائم والانتقاص
والسخرية أكثر من كونه نقدًا يقوم على معايير أساسية بعيدة كل البعد
 عن الطرح الهمجي الذي أصبح طاغيًا على الساحة ..

      ومنهم من يكون ذا منصب ويبدأ اسمه بحرف الدال أو غيره من 
المناصب لكنه مع الأسف لا يتمسك بأبجديات النّقد التي تلزمه بالتحرّي 
والمسؤولية عنأقواله فنجده ينتهك حق الطّرف الآخر..بل قد يتحوّل النقد 
 لتصفية حساب بحجج ومفاهيم غير منطقية ومع ذلك  يندفع معها وينطلق 
متابعيه دون وعي منهم إلا لثقتهم بهذا الشخص الذي يتابعونه..
       وهذه الفئة للأسف مؤخرًا جرّت مفهوم النّقد للهاوية بشكل مؤسف
 ومخيف لأنّه تجاوز الألفاظ غير اللائقة بل هو تعدّي على الآخرين بشكل
غريب ومزر تتعجب معه كون المتحدث مسؤول أكاديمي أو يتولى منصبًا
أو ممن ينادونهم بالقدوات التي تهاوى أغلبها وسط المناوشات المشينة
بين بعضهم البعض والتي اجترت أحقادا بين الأجيال ..
إذ اختفت معهم الحقائق وحلّ الصراع الذي يسوده المصالح والأحقاد
والكره والترصّد والفرح بأخطاء بعضهم البعض !

      ومنهم وهؤلاء القلّة القليلة الذين يمتلكون مفهوم الثقافة الحقيقية
إذ أنك ما إن تقرأ حوارهم أو كلامهم حتى تعرف مستوى الثقافة العالي
الذي يتميّزون به .. وهؤلاء يعرفـون معايير النّقد ويطبقونه بشكل رائع ..
 ومن هذه المعايير المصداقية وتحرّي الدقة والاحترام والنقد بحجج
ومنطق دون تجاوزات ودون الابتعاد عن الموضوع الرئيس والدخول
 في تفاصيل لا تخدم الموضوع الأساسي ..
ومن هذه المعايير المهمة الاعتراف بالخطأ وإتقان فنّ التراجع طالما
اكتشف الناقد سوء الفهم .. هذا بالإضافة لعدم تركيزه على السلبيات
بل لابدّ أن يظهر الجوانب الإيجابية ..
وبالرغم من قدرتهم على تطبيق هذه المعايير بشكر متميّز لكنهم
ضاعوا وسط هذا الهدير الذي لا يهدأ مع الأسف ..ضاعوا وسط
هذا الزخم الذي أصبح يكتسح ساحتنا ..

       فالساحة الآن تكاد تخلو من النّاقد الجيّد الذي يستفيد منه المجتمع
ليتطوّر ويرتقي ..والمتأمل الجيّد سيلحظ هذا الاكتساح المخيف الذي
يومًا بعد يوم يتجاوز المبادئ والقيم بكلّ أسف ..وأنا هنا لا أطلب منك 
عدم النقد بل انقد ولكن استوفي معايير الناقد ..

      وحتى الآن وبكل أسف مازال النّقد محتكرًا من قبل الفئات الثلاثة 
الأولى ولابدّ من شباب قوي يعيد معايير النقد الحقيقي بعيدًا عن النقد 
الجماهيري العشوائي البعيد عن الرقي والاتزان والذي يسيطر عليه 
الهجوم اللفظي وعد الثقافة والاطلاع .. 

      فأنا متيقنة بأنّه قادم بالقراءة والثقافة واحترام جميع فئات
 المجتمع بتياراته ومذاهبه وتعدد طبقاته .. قادم بمفهوم النّقد الذي
 يعني نقد الفكرة ووتفكيكها وتحليلها بشكل منطقي ..لا نقد الشخص
 وتحليله والتعدي عليه ..!

                                          الكاتبة

                                      حنان الغامدي 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<