الأربعاء، 26 يونيو 2019

♨... صناعة فارق ..!...♨







      حين تبقى عالقًا لساعات طويلة مع كتاب عليك أن تتيقن أنّ الكاتب
نجح في أسرك .. ونجح في أن يجعل متعتك هذه الأوراق التي رُسمت
عليها الأحرف في وقت أصبح أغلب من حولنا يراه ماضيًا بل منغمسين
بين موجات التقنية ..ونوافذها ..!
    والحقيقة أنّي حين أتحدث عن القراءة أشعر بأنّي أحلّق بين أوراق
الكتب .. أعيش بين تلك المعاني التي رصفتها الأحرف .. ولذا القراءة
 جمال لا يمكن وصفه ..وما أتحدث عنه كقارئة لا يمكن أن يشعر به
إلا قارئ مثلي أو باحث ..
أما كمجتمع فالقراءة لا تعني له شيئا إلا وقت افتتاح معارض الكتاب ..
فالقراءة عندنا ليست واقعًا نحسه ونلمسه لا من المؤسسات الحكومية
أو الخاصة مع الأسف الشديد بل حتى كأفراد إلا في محاولات تكاد تكون
 مغمورة بعيدة عن الدعم الإعلامي الذي يتيح لدعم القراءة الانتشار
من جديد في مجتمعنا ..

    فمنذ يومين هاتفتني أختي من أمريكا ولفتني حديثها عن المكتبات
العامة الموجودة في كلّ حي في الولاية التي تمكث فيها ..
استوقفتني بكلامها كثيرًا ... في كلّ حي .. مكتبة عامة ..!
يا إلهي ..!
      هذه المكتبة في كل حي مجانية .. تستطيع الدخول لتقرأ أيًا
كان عمرك عدا عن الأنشطة المقدّمة والميزات التي تجذب الأطفال
 للقراءة وتقوّي علاقتهم بالكتاب ..!
استنفار مذهل لرفع مكانة الكتاب ومدّ جسور التواصل لدعم القرّاء
سواء في المدرسة أو الحي ..

      وبالتأمّل لحالنا الوضع مزر .. فنحن لم نكن بهذه الحال يومًا ..
 كنا مجتمعًا قارئًا يقدّر مفهوم وقيمة القراءة جيدًا ..!!
وأسأل نفسي  ماذا فعلنا لتعزيز مكانة الكتاب في نفوس الجميع وليس
 فقط الطلاب ..؟  للأسف لا شيء .. كل ما نفعله محاولات فردية ممن
 يؤمنون بقيمة القراءة .. فنحن نريد القراءة اهتمام مجتمع .. نهضة
أسرة هذا المكوّن الرئيس للمجتمع .. نهضة مدرسة لأن المدارس
والمعاهد تحرّك الأسرة في غالب الأوقات ..

       بالنسبة للمدرسة بكلّ أسف  فحصة المكتبة الوحيدة في الأسبوع 
للمرحلة  المتوسطة والثانوية ألغيت ..تم نزع الوقت المخصص لهم
 للقراءة .. جهزنا عذرا لهذا الجيل بأنه ليس لديه وقت للقراءة .. معه
حق بالنظر لنظام التعليم عندنا الوقت المخصص للراحة هو نصف
ساعة وربما أقل .. ولذا من النادر أن نجد من يتبرع بوقته للقراءة
الحرّة ...
إضافة إلى أنّه  ليس هناك ما يشجع على القراءة لأن الكتب المتواجدة
لا تجذب الطلاب .. بل إنّ مادة المكتبة التي كنا نتلقى محتواها في
المكتبة لم تعد موجودة ..!

       المكتبة بكلّ أسف أصبحت منظرًا  .. بل إن بعض المدارس 
لا يوجد فيها مكتبة .. بل إنّي أذكر كيف كانت من بنود تقييم الصف
 هو وجود مكتبة تتنوع فيها الكتب داخل كلّ صف .. أيعقل أننا قبل 
خمسة عشرعامًا أفضل فيما يخصّ القراءة .. ؟!

الواقع يقول نعم .. ، والتعليم أيضًا .. لكن سأترك التعليم ونظامه في
مقالات أخرى .. مع أنّ القراءة هي بوابة التعليم ولا تنفصل عنه ..
وليس هذا فحسب بل أصبح التوجه تجاه التقنية بشكل يكاد يكون
حمّى أو وباء انتشر فالتعاميم لا تتوقف من أجل استثمار التقنية في
أي مجال حتى لو يكن ممكنًا ..!

 ماذا عن الكتاب ... ؟!
     
    بكلّ أسف الكتاب له يوم نردد به بعض المقولات إضافة إلى معرض
 الكتاب .. ثم ماذا ..؟! ثم لاشيء ..!
فراغ طوال أيام السنة ..!

      بالنسبة لكلّ ما يدعو للقراءة الحرة في الوقت الراهن فقد
مات منذ أكثر من عشر سنوات .. وأصبح الطلاب كالآلات
مقيدين بكتاب المدرسة فقط والخروج عنه في المادة العلمية
يعدّ مخالفة يعاقب عليها المعلم لو فكّر بسؤال يطرحه للطلاب
خارج الكتاب  .. حتى لو قام بشرحه وإضافته لهم ! فهناك
استنفار يحدث من المدرسة حتى أولياء الأمر بصدد هذا الشأن ..
ولذا من الطبيعي أن يركز الطلاب على الكتب المدرسية ..
 ولكن دعوني أنظر لحال الأم المثقفة ، المتعلمة ، المسافر الذي
سافر وجاء يحدثنا عن انفتاح الغرب وأسلوب حياتهم ..

ماذا فعلوا لتغيير أسلوب الحياة الذي نعيشه للأفضل ..؟!

     هل الأم التي تفكر بتجهيز غرفة الطفل عندنا تفكر بتخصيص
 مكان للمكتبة ؟! أو حين تجهز غرف أطفالها هل تخصص
رفًا على الأقل لبعض الكتب .. ؟!
هل هناك مكتبة في غرفتك أيها الجامعي وأيتها الجامعية ..؟!
هل هي من أساسيات الغرفة كخزانة الملابس والسرير ..؟!

      أعتقد أنّ طفل الأربعة سنوات لابدّ أن يكون لديه مكتبته
 الخاصة .. حتى لو كانت رفّين فقط .. ليس الأمر مستحيلاً ..
 فابنة إحدى أخواتي لديها علاقة جيدة مع الكتب مع أنّ عمرها
لا يتجاوز السنتين .. فهي تمسك بالقصة وتقلّبها وتشرحها وتعبر
 عن الصور بطريقة مميزة .. بينها وبين الكتاب علاقة رائعة ..
تملك قصصًا وهي بهذا العمر .. لديها خيال وذكاء لغوي عالي..
ودقة متناهية لأدق التفاصيل في الصورة ..
الحقيقة أنّ أطفالنا لا يختلفون عن أطفال الآخرين بل يمتلكون
ذكاء ونشاطًا وحيوية .. يحتاجون فقط لأسلوب حياة ثقافي
مميّز ..

      لكلّ أم مربية وأبّ مربٍ ومعلّم ومعلّمة ومتعلّم ومتعلّمة
احملوا على عاتقكم هذه القضية ولنبدأ بتغيير مفهوم القراءة التي
 ارتبطت فقط بالمدرسة ..

إذ يؤسفني القول أنّ القراءة اليوم مباهاة بأكواب القهوة أكثر منها
بالفكر ..وبالتالي نحتاج جهود جبارة لتوضيح مفهوم القراءة
حتى يصل هذا الجيل لقراءة ناقدة واعية ..


أنا وأنت نصنع فارقًا للـنّهضة بفكر المجتمع ..


                                   الكاتبة
                              حنان الغامدي 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<