الأربعاء، 17 يوليو 2019

♨ ... مفتــاح الهُـويّة ... ♨






      قـبل عدة أيّام ذهبت لأحد المتاجر لشراء بعض المستلزمات  ..  
وما لفتني هو مخاطبة الأطفال باللغة الإنجليزية لبعضهم البعض
وتعبيرهم بها  بها رغم أنّ أمهاتهم أو آباءهم أو من يرافقهم
يتحدثون العربية ..!
ولأنّه ليس الموقف الوحيد بل تكاد تكون ظاهرة حاليًا .. ورأيته
أكثر من مرّة في كثير من الأماكن وحتى داخل عائلتي ..
فالتحدث بالإنجليزية وسط البلاد العربية أصبح وكأنّه دليل على
الانفتاح والتحضّر..!!

      ويؤسفني القول أنّ هذا هو المفهوم الذي أصبح معششًا 
في عقول الأمهات والآباء ..بعيدًا عن كون اللغة الإنجليزية لغة 
العصر .. والحقيقة أنّها لغة القوي كما كانت اللغة العربية في 
مجد الأمة العربية المسيطرة ..!
 وليس عيبًا أن يجيد أيّ طفل أو شخص لغة أخرى ويتحدّث بها ..
ولكن ليس قبل أن يجيد لغته الأم تحدّثا وكتابة .. وهذا هو مدعاة
 الفخر والمباهاة إن أردنا ذلك ..
وللأسف هذه الثقافة ليست عندنا .. فما عندنا هو شبه انسلاخ
مخيف ونظرة دونية للغتنا .. فهي لغة الماضي ولا تناسب
 حاضرنا .. حتى حينما يتحدثون بها يكون على سبيل السخرية ..
وإعلامنا يدعم هذه الفكرة المشينة فاللغة الفصيحة خاصة بكلّ
ماهو تاريخي ..!
هذا عدا عن القناعات المخيفة التي تتحدّث عن عدم جدوى تعلمها ..
لأنّ المنفعة من تعلمها انتهت فهم لا يستخدمونها في العمل هذا عن 
إنّ المطالب لأغلب دوائر العمل  وحتىالجامعات تشترط اللغة 
الإنجليزية ! 
حتى المدارس !

      إنّهم لا يفكّرون أنّها أصل هويّتهم .. أو تاريخهم ..كيف 
سيقرؤون التاريخ ؟! كيف سيعرفون عن أجدادهم أو رموزهم 
أو علمائهم أوحضارتهم مالم يتقنوا لغتهم  ؟

     إنّي حقًا أتعجب لهذه الموجة الخطيرة .. التي تهدد بالانسلاخ 
عن كلّ الموروث بل تهدد الهويّة التي يجب الاعتزاز بها بحفظها 
وجعلها واقعًا .. فاللغة هي مفتاح الهُويّة لأيّ مجتمع ..!
فتخيّل أن يحارب أبناؤنا لغتنا بحجج واهية وسخيفة ..!

      لقد أصبحت اللغة العربية ليس لها إلا يومًا بين أبنائها يرددون 
فيها الشعارات البراقة .. وبعض المسرحيات الهزيلة .. ووسمًا
 يكتبون فيه غرائب اللغة وبعض الأشعار الطريفة ..!
أما عن واقعنا فهي ليست إلا في زاوية في المدارس لا تستغرق أكثر
من خمس وأربعين دقيقة ..!

      وأصبح ضعف اهتمام الجيل بلغته مشكلة حتى أنّ بعضهم 
اقترح أن تُبنى معاهد لتقوية اللغة العربية ..!
ياله من اقتراح .. وماذا تفعل المدارس ؟!
من سيدخلها إذا كانت قناعة الجيل وبعض الأهالي يرون أنّه 
لا داعي لدراستها فضلاً عن دخول  معاهد لتقوية اللغة العربية
دون دعم لهذه الفكرة .. خصوصًا أنّ قبول الجامعة يشترط اللغة
الإنجليزية التي هي حجر عثرة لأغلب الطلاب  في سنتهم
 التحضيرية لاسيّما إذا كان طموحه أن يعمل ببلده العربي ..
فما نفع الإنجليزية لشخص يمكنه أن يستعيض عنها بمترجم لو
أراد أن يوسّع عمله للعالمية ..
ولذا مؤكد معاهد اللغة العربية ستكون مهجورة خاوية ..!
لأنّ هدف الأهالي سيكون منصبًّا على ما يهتم به الواقع ..

      والحقيقة لا أستطيع أن ألقي باللوم على الأهالي فالمناهج
الركيكة خصوصًا في المرحلة المتوسطة ساهمت في ضعف اللغة
 العربية عند الطلاب ..

      عوامل كثيرة اشتركت وواقع مؤلم ساهم في عدم الاهتمام 
بها يكفي توجّه الطلاب والنشء لقراءة القصص باللغة الإنجليزية
بهدف التقوية لأنّها تعيش بين واقعهم .. بينما لا يجيد التفرقة
بين الجملة الإسمية والفعلية !
بل لا يجيد وضع جملة عميقة وجيّدة التركيب إذا طُلب منه ذلك ..
فهذا السؤال المكروه لأغلب الطّلاب لأنّهم يجدونه  صعبًا  وأشبه 
بالخوارزميات ..!

      والأسوأ حتى القراءة بالعربية أصبحت ركيكة وأبسط الألفاظ
باتت عصيّة الفهم .. فيقرؤون دون قدرة على الفهم .. ويستصعبون
حتى البحث في المعاجم بشتّى أنواعها ..
ولا أعمم لكن الواقع يكشف عن قلّة نراهم من النشء مميزين في
اللغة ويكادون يتغلّبون على أساتذتهم ..

      وحتى الأساتذة والأكاديميين  والمعلمين معظمهم لا يجيدون
الصياغة والكتابة بشكل جيد فترى كتابتهم مليئة بالأخطاء
خصوصًا الإملائية ..!

      ناهيك أيّها القارئ عن دعوة بعض الكتاب بالكتابة بالعاميّة
بحجة أنّها أكثر قربًا وفهمًا ..!! ياللعجب !
 بل يا للسخرية أن ينادي أبناء العروبة بطلب كهذا !

     لقد أصبح الضعف في اللغة العربية يزداد يومًا بعد يوم ..
الحقيقة المرّة التي نعيشها حاليًا .. والأسباب كثيرة لا يمكن
سردها في مقالة قصيرة ..

     كلّ  مانريده هو أن يبدأ كلّ فرد عربي وبالأخص المسلم 
بإحياء اللغة فهمًا واستيعابًا ودراسة حقيقية وتطبيقًا تعيد للغة 
العربية مكانتها ..

    كلّ ما نريده هي أن تكون اللغة العربيّة واقعًا حيًّا نعيشه في 
مدارسنا .. في كتبنا .. في كتاباتنا .. في لوحات المحلات ..في تحدّثنا 
بها في المحافل الرسمية .. في اعتزازنا وفخرنا بها .. طوال أيامنا .. 
وحياتنا .. وليس فقط يومًا واحدًا تُستَنفر فيه التعاميم والشعارات
 الزائفة والأنشطة المدرسية التي تفتقر للإبداع و الجذب والتأثير 
على المدى البعيد ..!

                                       الكاتبة

                                   حنان الغامدي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<