الأربعاء، 24 يوليو 2019

♨.. المعلّم ! ..♨



                                                الصورة والبرواز .. ⛱



      

      تلك الصورة الملائكية التي رسمناها للمعلم حينما كنا صغارًا
لم تأت من فراغ ..! بل هو تقدير رهيب أخذ حجم العظمة لأنّ ما
كنا نراه ليس عاديًا في تلك الفترة فما نراه هو شخص صاحب علم
 ورسالة في وقت كنا أشد ما نحتاجه هو العلم ..
وكان المجتمع آنذاك بكلّ وسائله من إعلام من ثقافة وكتّاب ومذيعين ..
هو الذي ساهم في رسم صورة التقدير الجميلة للمعلم ..فهو على مدار
خمسين عامًا صاحب الرسالة والنور الذي سيقتل الجهل فينا ..
ولم تكن هالة النور هذه فقط تختص بما يدعمه الإعلام فقط .. إذ 
انطلقت من الأبوين الذين حرصا أن يقدّر ابناؤهم معلميهم أيًا كانوا ..!

      والحقيقة أنّها صورة أنيقة لكن لم تكن كاملة وواضحة تمامًا ..
فبالنظر لتقدير المعلم في ذلك الوقت كان لدرجة التعظيم والتطرف ..
إذ كان له كامل الصلاحية في تعامله مع الطالب فحتى لو أخطأ فهو
 يحق له ذلك أليس معلمًا ؟!
وقد كان الآباء يرون أنّ الطالب حتى لو لم يكن مخطئًا فلابد أن سببًا
وجيهًا دفع المعلّم ليتصرّف هذا التصرّف سواء ضربًا أو شتمًا ..

     ولذا عشنا حصصًا تمتلئ رعبًا بسبب الضرب الرهيب الذي كنت
 أشاهده لطالبات أمامي ذنبهنّ الوحيد هو الضعف أو الكسل ..!
وفي المقابل استمتعنا بحصص ماتزال خالدة في الذاكرة سواء إبداعًا
أو أسلوبًا تربويًا أو تميّزًا في الشرح ..!
      كلا النموذجين كان موجودًا المعلم الكفء والمعلم غير الكفء ..
غير أن المختفي عن العيون شخصيّة الطالب المحاور .. على الأقل
 بنسبة كبيرة حتى نكون منصفين ..

      ومع مرور السنوات بدأت تلك الهالة تَخفُت .. وبدأ الطالب يقول
 للمعلم غير الكفء توقف ..
ومع ذلك ماتزال الصورة الملائكية ذات البرواز الأنيق محتفظة ببريقها ..

     ورويدًا ..رويدًا .. ومع عوامل التغيير ومنذ أن بدأ ما يسمى بالتطوير
 أخذت الأمور منحى آخر ..وبدلا من التطرّف الذي كان يمارسه بعض
المعلمين تجاه الطلاب أصبحت الوزارة وأولياء الأمور تمارس التطرف
ضد المعلم بناء على تصرفات فردية من بعض المعلمين ..!

وبدأ زجاج الصورة يتصدّع ..لكنّ الصورة ماتزال معلقة ..
 وما تزال هناك نظرة التقدير والاحترام ..

      الجميل أنّ الفترة التي انطلقت فيها منظومة التطوير بدأ الطالب 
يعرف حقوقه بل ويطالب بها ويأخذها .. وساندت الوزارة الطالب 
وأعطته حقوقًا وكفّت عنه أكبر أذى وهو الضرب الذي كان مسموحًا
 في فترة من الفترات .. ومنعت التحقير والإهانة وطالبت باحتوائه
 واحترامه والاستماع لرأيه ..
لقد كانت القرارات رائعة .. ومع ذلك لم يستمرّ هذا التوازن إذ سرعان
 ما تعمقنا في التطوير أكثر وأكثر  ..!

     ومع توغلنا بدلا ًمن أن نتوازن ونرتقي بالمنظومة التعليمية زادت
المشكلات مع الأعباء التي أصبحت تركز على القشور أكثر من اللبّ
والجوهر .. وافتتن التعليم بالتقنية والاستراتيجيات ونسي الهدف
الرئيس الذي هو الطالب .. وأهمل المعلومة التي تُقدّم للطالب ومدى
 تمكّن المعلم منها .. هذا بالإضافة للقرارات غير المدروسة والتي 
يقع ترشيدها على المعلم !

      وتمادى الأمر حتى صار الطالب وولي الأمر .. يتطاول على المعلم
الكفء وغير الكفء كلّما سنحت له الفرصة ..
ومما زاد الأمر سوءًا مُنع المعلم من أيّ صلاحية تعيد له اعتباره يوقف 
به هذا الطالب المتمرّد .. ومع أنّ  الوزارة أصدرت لائحة لتقويم سلوك 
الطالب المسيء .. إلا أنّه يؤخذ بربعها وثلاثة أرباعها لا يُنظر لها ...
هذا عدا عن التهاون في سلوك الطلاب باعتبارهم صغارًا .. إلى أن
 وصلنا للحال الذي نحن عليه .. من استهتار .. وتندّر على المعلم ..
والاستخفاف بمهنته حتى من قبل الإعلام .. الذي صار له دور بارز
 في إبراز أخطاء المعلم وتصعيدها ..

وتهشّمت تلك الصورة .. إذ لم تعد واضحة وبدت مشوهة بشكل مزعج  
لكنّها لازلت معلّقة رغم ميلان البرواز ..

     وللأسف الشديد بدأت بعض  المنصّات الإلكترونية الخاصّة بالتعليم
بإصدار بعض التكليفات للمعلّم والتصريحات التي تهز صورته أكثر وأكثر .. 
مما جعل الطالب يتجرأ على المعلم أكثر وأكثر ويستفزّه من خلال
ما يُنشر .. هذا عدا عن أنّ المعلم فقد شغفه بسبب الضغط والعبء
والتركيز على الأمور الثانوية التي لاتتعدى كونها قشورًا وترك الأساس ..
فأصبحت وظيفة أكثر منها مهنة ينطلق منها ليحقق شخصية الطالب
الذي ينهض بالمجتمع ..

      وتهاوت الصورة وبقي البرواز خاليًا ..

      وفي رأيي لن يعيد الصورة إلى مكانها إلا المعلّم نفسه .. فهو الوحيد 
القادرعلى إعادة وضعه بشكل يحفظ له حقوقه ويردّ له اعتبار مهنته 
المميزة .. فهو الذي سيضع الصورة بعد أن يعيد ترميمها ويقوم بتعديل 
البروازالذي مال من خلال موازنة نفسه وقبول التحديات والانطلاق 
بما يملي عليه ضميره كمعلّم يسعى للتميّز ويكون قدوة من أجل تنشئة 
جيل عظيم يرقى بالمجتمع علميًا وميدانيًا لنهضة البلاد .. جيل يعتزّ 
بهويته وتاريخه ودينه ويفخر بتراثه وعاداته العريقة ..

أيّها المعلم .. 
رغم كلّ ما يحيطك من إحباطات تأكد بل تيقن أن مفتاح هيبتك وقيمتك 
بيدك أنت .. !



                                الكاتبة
                            حنان الغامدي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<