الخميس، 2 يوليو 2020

❧ .. يومًا ما .. 2 .. ❧


سلسلة .. 
                                           -      2      -

                                      ..  ابتسامة مريحة  ..






     كانت تتأمّل غرفة الجلوس التي تتميّز بأرائك
ذات لون أخضر داكن  .. أمّا الستائر فهي بلون
 سكري عليها بعض النقوش الخفيفة بنفس اللون ..
وسجّادة متوسطة الحجم تتميز بنقوش يبرز فيها 
اللون الأخضر .. أما الطّاولات فكانت تتميّز بالخشب
 الداكن بدت الغرفة مريحة ومتناسقة بتحفها 
الأنيقة .. كان جو الغرفة دافئًا ..
قدّمت نارين الماء والقهوة السوداء للضيفة التي
تنتظر منذ عشر دقائق حين قالت لها  :
_ ستحضر بعد قليل ..!
_ أنا أعتذر .. ولكني أتيت على الموعد الذي حددته!
_ لا عليك سيدتي ..
_ أخبريني نارين كيف حالك ؟
_ بخير سيّدتي شكرًا لكرم اهتمامك ..
_ هل هناك أيّ رسائل من أبنائك ؟
ابتسمت نارين ساخرة ثم قالت :
_ الأبناء ينسون يا سيدة آمال .. ينسون ما فعله
 الآباء طوال سني حياتهم من أجلهم ..
_ لا تقولي ذلك نارين .. مهما أظهروا الاستغناء
عن أمهاتهم وآبائهم لكنّهم في نهاية المطاف 
يعودون إليهم ..
_ حينها سيّدتي سأكون قد توقفتُ عن الانتظار ..
أو الاهتمام بقدومهم .. بل إنّي توقفت فعليًا عن
عن ذلك ..
في تلك اللّحظة اتسعت عينا السيدة آمال بانبهار
أرفقتها بابتسامة إعجاب حين دخلت " فاتن "
وهي ترتدي فستانًا رماديًّا مزهّرًا بلون وردي
وقد أسدلت شعرها بعد أن رفعت الجزء الأمامي
 منه .. ورغم طولها المقبول إلا أنّها ارتدت
حذاءً ورديًا بكعب عال ..
ووضعتْ مساحيق بسيطة لم تكن متكلّفة ولكن
السيّدة آمال أيقنت أنّ الموجودة أمامها تعتني
بمظهرها جيدًا ..
سلّمت فاتن عليها قائلة :
_ السّلام عليكم .. أعتذر عن تأخري ولكن
لا أعرف كيف سرقني الوقت ..؟
ردّت السيّدة آمال بعد أن وقفت  :
_ وعليكم السلام ..لا عليك .. يسعدني لقاؤك 
معك آمال السعد.. جارتك في المنزل المجاور ..
_ تشرّفتُ بمعرفتك .. فاتن ألمع ..
حينها خرجتْ نارين من الغرفة بعد أن جلست
فاتن ووضعت هاتفها بجانبها وبدأت تتأمّل ضيفتها ..
لم تتخيّل أبدًا أنّها كبيرة لكن يبدو أنّها على مشارف
 الستين ..! وتبدو ذات ملامح جميلة رغم بعض 
التجاعيد التي بدأتْ ترتسم على وجهها ويديها  ..
ابتسامتها مريحة .. هادئة وتبدو واثقة .. ترتدي
 سترة طويلة بلون قرمزي .. و شعـرها الأبيض
المقصوص بحدود الرقبة أعطاها وقارًا وجمالاً..
متوسطة الطول ممتلئة قليلاً .. أما حقيبتها فقد
كانت متوسطة الحجم من الجلد الفاخر ترتكز
بجانبها ..
كانت فاتن تفكر في نفسها :" لابدّ وأنّها كانت فاتنة
وهي صغيرة .."
_ اعذريني لمفاجأتك هذا الصباح .. أردتُ أن أقدّم
 لك الفطور وأتعرّف عليك ..
وكأنّها استيقظت من شرودها لتقف بسرعة لتقدّم
التمر لضيفتها وهي تقول :
_ لا بأس .. أنا سعيدة بأنّكِ تفهمت الأمر ..
وضعت السيدة آمال فنجان القهوة جانبًا متفاجئة
من حركتها المفاجئة ثم قالت وهي تأخذ تمرة :
_ هذا لطف منك .. شكرً لكِ .. حسنًا ، لن أطيل
عليك .. ولكن بما أنّي جارتك فقد كُلّفت بمساعدتك
 خلال هذا الأسبوع ..
_ مساعدتي ! هذا الأسبوع ..؟
نظرت السيّدة آمال لها بابتسامة لطيفة ثم فتحت
حقيبتها لتخرج منه كتيّبان وضعتهما أمامها كان
 الأوّل يحمل اسم دليل الضاحية الغربية والثاني
 إرشادات وقواعد الضاحية وكان هذا الكتيّب 
دسمًا :
_ كما ترين عزيزتي .. مؤكد أنت تعرفين 
الإرشادات والقواعد .. لكنّنا بشر وننسى ..
هو للتذكير .. بينما الدليل هو خريطة للضاحية ..
أمسكت فاتن بالخريطة .. وبدأت تتصفحها ..
كانت مذهولة وهي تقول بحماس :
_ ياااه إنّها تعتبر مدينة ..
ابتسمت السيّدة آمال بعد أن عادت لتحمل
فنجان قهوتها  قائلة :
_ لقد أصبحتْ مدينة مؤخرًا ..
رشفت من قهوتها ثم تنهدت مستطردة وكأنّها 
تتذكر أيامًا مضت :
_ سبحان الله ! كم هي الأيام سريعة .. تدور كعجلة
ساقية لا تتوقف .. بل كعقرب ساعة ..!
_ يبدو أنّك من أوائل من سكن هنا ..
ضحكت السيّدة آمال ثم قالت :
_  هل أبدو كبيرة جدًا ؟!
_ لا ، لا أقصد  ذلك ..
حينها قاطعتها قائلة محاولة تغيير مسار الحديث :
_ اسمعي من المهم أن تعرفي بأنّ من قواعد 
الضاحية أن لا تخرجي هذا الأسبوع لوحدك ..
بمعنى لابدّ من أن يكون معك مرافق ..
_ لماذا ..؟!
_ لأنّك كما ترين .. المكان كبير .. وهناك
وحدات سكنية كثيرة .. أنت في الوحدة " ك "
 وطبعًا لا يحتاج أن أشرح لك رقم الحرف هذا بين
الحروف الأبجدية ..
_ يااااه .. لم أكن أعلم ذلك بحق ..
_ ألم تقرئي الإرشادات ..؟!
_ قرأتها لكنّ هذه التفصيلة الصغيرة لم أنتبه
لها ..
_ لابأس الإرشادات كثيرة .. وطبيعي أن ينسى
المرء مالم يرَ و يجرّب بنفسه ..
_ هل لي أن أسألك سؤالاً ؟!
_ نعم ، تفضلي ..
_ لا أقصد بهذا السؤال أيّ معنى آخر قد يتبادر
 لذهنك .. لكنكِ قلتِ بأنّك كُلّفت بمساعدتي ..
مؤكد ليس لأنّك جارتي فقط .. فأنت لست الوحيدة ..
_ آه .. لقد فهمت .. أنا من جمعية الأيادي الخضراء ..
ومهمتنا هو بذل المساعدة لكلّ نزيلة جديدة .. وكنتُ
أنا الأقرب لك .. لذا وقع الاختيار علي ّ ..
_ هكذا إذن  !
_ ليس هذا فحسب بل سأكون رفيقتك على مدار
أسبوع .. سنخرج سويًا ونعود سويًا ..
_ هذا يعني بأنّك ستصحبيني في جولة للضاحية ؟
_ ليس تمامًا ! لكن سأحاول أن أعرفك بأهم الأمور 
والأماكن الأساسية في الضاحية .. ثم ستنطلقين أنت
 بنفسك دون رفيق ..
_ هذا مثير .. ولكن المعذرة منك لم لا أستطيع الخروج 
والانطلاق لوحدي ..؟إذ ليس هناك ما نخشاه فجميعنا 
نساء ويوجد حرس على البوابة..!
ما أعنيه هو أنّي سيدة ناضجة بما فيه الكفاية
لأقوم بالأمر لوحدي ..
ارتشفت السيدة آمال قهوتها مجددًا :
_ يسعدني سماع ذلك .. لكنّ الأمر ليس كما يدور
 في ذهنك .. المسألة لا تتعلق بالنّضج .. ولو كنتِ
حتى أكبر منّي فإنّ الإجراءات ستظلّ كما هي ..
نظرت فاتن باستغراب ولكنّ السيّدة آمال استطردت :
_ أعتقد أنّ منظمّة الضاحية تفضّل هذه الإجراءات
حتى تتعرفين على المكان بالشكل الصحيح ..
ردّدت فاتن :
_ الشكل الصحيح  .. آه .. أظنّ أنّي فهمت بشكل
جزئي ..
ابتسمت السيّدة حين أدركت عدم الاقتناع في
حديثها .. في حين نهضت فاتن في تلك الأثناء
لتقدّم قطعًا من البسكويت أخذت الأخرى قطعة ..
وكأنّها تحاول أن تشتت انتباه السيّدة آمال ..
_ كما تعلمين ..هذه ضيافة " مركز الوحدة " كما
 أخبرتني نارين .. لابدّ وأنّهن سيّدات لطيفات
حتى يفكّرن على هذا النحو ..
_ لا أريد أن أخيّب ظنك مجددًا ولكنّه من الإجراءات 
المتبعة للترحيب بالنزيلات الجديدات ..
 _ لكنّه إجراء جميل على أيّة حال .. سعدتُ حين
رأيت الضيافة .. إنّه اهتمام خاص ..
وما إن جلست حتى أضاء هاتفها .. ثم عاد للانطفاء:
_ عذرًا سيّدة آمال ..
ثم أمسكت به وتأملته .. حاولت أن تخفي الامتعاض
من وجهها لكنّها التفتت للسيّدة آمال وأعادته بجانبها
على الأريكة .. حينها قالت السيّدة آمال متجاوزة عن
تصرفها البعيد عن قواعد اللياقة :
_ هناك أشياء كثيرة ستتعلمينها هنا .. ولكن علي
أن أسألك سؤالاً بعيدًا عن الضاحية وقواعدها 
وقوانينها ..  
_ يسعدني ذلك  .. تفضلي ..
_ ماهي مؤهلاتك ؟!
_ معلمة أدب عربي ..
_ أووه جميل .. لابدّ أنّ لك أسلوبًا مميزًا في الكتابة ..
هل تكتبين قصائد ؟ أو خواطر ؟
_ لا ، للأسف .. ولكنّي أحب الأدب ومتذوقة له ..
أكتبُ أحيانًا .. لكن بإمكانك أن تسميها خربشات ..
 كلمات مرتبكة .. أيّ شيء عدا أن تكون نصّا أدبيًا 
جميلاً ..
ابتسمت السيّدة آمال وهي ترفع حاجبيها قائلة :
_ لا أعتقد ذلك ..  فهناك أشخاص يدّعون بأنّهم
 لا يجيدون بعض الأمور ربما من باب أن يزيد 
الناس في إطرائهم .. وربما من باب عدم الثّـقة
بالنّفس! فأيّ باب هو بابك ؟!
تفاجأت فاتن من سؤالها المباغت وارتبكت .. ولكنّ
السيّدة آمال ضحكت وهي تستطرد :
_ لا تأخذي الأمر بجديّة هكذا أنا أمازحك فقط ..
استرخت فاتن وهي تبتسم :
_ يا له من سؤال ..!
_ المهم غدًا سأبدأ معك أوّل لقاء خاص بالإرشادات
 لأشرح لك الأمور المهمة .. وركزي المهمة لن أستطيع 
شرح كلّ شيء .. لذا يتوجب عليك قراءة  الإرشادات
والقواعد .. أما في المساء فستكون جولتنا على أهم 
الأماكن الأساسية .. 
_ ولماذا ليس مساء هذا اليوم  ؟!
_ سؤال وجيه .. للأسف لدي ارتباط مهم .. فأنا 
أعمل في إحدى الجمعيات ..
_ تعملين ..؟! ظننتكِ هنا لتستمتعي بوقتك وتسترخي
من عناء الحياة ..
هزّت كتفيها وهي ماتزال تحمل فنجان قهوتها :
_ ربما ، لكن لا أحد سيتكفل بمصاريفي ..عليّ أن أعمل ..
 هاه .. ما رأيك هل نبدأ من الغد ..؟
_ لابأس .. ليس لدينا خيار آخر ..
_ هل يناسبك مثل هذا الوقت صباحًا ؟
_ نعم إنّه مناسب ..
_ في المساء ما رأيك بالساعة الرابعة ؟
_ حسنًا اتفقنا ..
وضعت السيدة آمال قهوتها أخيرًا .. نهضت وكأنّها
تعلن نهاية الزيارة .. تبعتها فاتن معها لترافقها
كانت السيّدة آمال تقف عند الباب الرئيسي عندما
أوقفتها : 
_ سيّدة آمال ..
التفتت لها : 
_ هناك أمر أودّ الاستفسار عنه ..
أومأت لها السيّدة آمال بالإيجاب ..
_ أردتُ أن أسأل عن أبراج الهاتف الخلوي  
أعني هل تعمل بكفاءة ؟!
_ إنّها ممتازة ..
_ غريب هذا يعني بأنّ هناك خلل .. الشبكة عندي
لا تعمل منذ يوم أمس .. تقريبًا منذ أن دخلت الضاحية
 مع أنّ باقتي ذهبيّة ودفعت أجرها كاملاً لسنة ..
عقدت السيدة آمال حاجبيها ثم قالت :
_ ألم يخبروك عن نظام الشبكة هنا قبل أن تدفعي ؟!
_ حسنًا كنتُ أشعر بصداع يوم قابلت المسؤولة لذا 
أعطتني منشورًا وتعهدتُ بقراءته .. ولكنّي اطّلعت 
عليه بشكل سريع ..
طوّقت السيدة آمال فاتن بذراعها وهي تقول :
_ غريب ..! يبدو أنّ الكثير من التفصيلات
الصغيرة قد فاتتك  ..
ثم غمزت لها .. في حين تداركت فاتن قائلة :
_ حسنًا أظــنّ أنّي اطّلعت على الصفحــة الأولى ..
 ثم انشغلتُ بعدها بإجراءات الانتقال إلى هنا ..
_ يبدو أنّ الدليل جاء في وقته .. يمكنك قراءة 
الإرشادات في باب التواصل ستجدين التفاصيل
هناك  ..
ثم ربّتت على كتفها برفق .. وخرجت .. رافقتها
 فاتن .. حتى باب سور الحديقة .. شعرت فاتن
 بارتياح لهذه السيّدة رغم غموضها قليلاً ..  
ورغم عدم ارتياحها لبعض إجراءات الضاحية 
إلا أنّها رأت بأنّها شخصية لطيفة ..
بقيت واقفة حتى دخلت السيّدة آمال منزلها ..
كانت نارين ترفع الأكواب .. ثم توقفت أمام الباب
 تنظر لفاتن وهي تتأمّل المكان.. والمنازل المقابلة
 لمنزلها حيث يفصلهما طريق مرصوف واسع 
تتخلله أعمدة الإنارة المميزة  ..
وعلى بُعـْد منزلين مقابلين لها رأت بعض السيّدات 
مجتمعات .. لوّحت لهنّ من مكانها .. وردّت إحداهن 
التلويحة بشكل سريع .. لم تجرؤ على الذهاب إليهنّ
 إذ لم يبدين أيّ إشارة لدعوتها .. لاسيّما أنّهن 
عاوَدْن مزاولة نشاطهنّ .. شعرتْ بخيبة أمل .. 
لكنّها اضّطرت أن تدخل للمنزل .." لماذا تضايقت ؟ 
.. أظنّ أنّ لديّ ماهو مهم .. يجب أن أقرأ الجزء
 الخاص بالاتصال لأرى ما مــشكلــة الاتصــال عندي.. 
عليّ أن أتصل به .. يجب أن أحدثه الليلة .. "
دخلت للمنزل دون أن تعلم بأنّ هناك مفاجأة
بانتظارها ..!
                        ..  يــتــبـــع  ..

                                 الكاتبة
                             حنان الغامدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<