الأحد، 16 أغسطس 2020

♨ .. يومًا ما .. 7 .. ♨

 

سلسلة 

                                                -   7    -

                              .. حــلقـــة مــفــقـودة ..


 

                        -    1    -

      كانت الساعة الرابعة والنّصف حين انطلقت سيارة

 السيّدة آمال تقلّ فاتن لتأخذها في جولتها الثانية ..

وعلى غير العادة بدت فاتن هادئة .. إذ انشغلت بحقيبة 

يدها الصغيرة ذات اللون السكري وكأنّما تتأكد من وجود 

أغراضها.. لكنّها لم تلبث أن أغلقتها وأسندتها على حجرها 

وتنهدت بارتياح ونظرت للنافذة ..

في تلك اللّحظة وجدت السيدة آمال فرصة لتلقّي نظرة

 فاحصة عليها  .. لقد بدت أكثر ضبطًا لنفسها مع أنّها 

استطاعت أن تلمح ارتباكًا تحاول أن تخفيه فمنذ أن دخلت

 لم يتبادلا سوى التحيّة المعتادة وكلام عن الأجواء  .. ثم 

انصرفت فاتن تتأمّل من النافذة بعناية كما لو كانت تحاول

 أن تحفظ مسار الطريق ..

نظرت لقبعتها الأنيقة وفستانها ذو الأرضية القرمزية

 المنقـوش عليه زهورًا كبيرة الحجم ذات لون سكري ..

فاجأتها فاتن بالنظر إليها وهي تسأل :

_ أردتُ أن أسأل أين سنتجه يعني ماهي الأماكن التي

سنذهب إليها اليوم ..؟!

ابتسمت السيّدة آمال وهي تختلس النظر لحذائها ذو الكعب

العالي :

_ سنتجه لأماكن عدّة .. وسأطلعك فقط على المكان الأول

سنتجه الآن لمكتب البريد ..

_ البريد ! يا له من أمر عجيب .. مازلت أتساءل لماذا

هذا المكتب موجود أصلاً في ظل التقنية التي نعيشها ؟!

تنهدت السيّدة آمال وهي تقول :

_ لن أتجشّم عناء إجابتك .. ستكتشفين الأمر بنفسك ..

_ على العموم الأمر مضحك برمته .. لا أتخيل نفسي

أعود لعشرين سنة للوراء .. تخيلي أن تحملي الرسائل

لتوزعيها في وقت بإمكاني إرسال رسالة بريد إلكترونية

في ثوانٍ ..

ردّت بامتعاض :

_ أخشى أنّك ستعودين ..

اتسعت عينا فاتن بإنكار .. في حين استطردت السيّدة آمال :

_ لستُ ضد التقنية .. لكن إذا توفر الأمرين معًا فلن

أكون ضدهما أبدًا .. كلاهما في نظري مهم ..

_ وما أهميّته ..؟!

_ أنتِ لن تستطيعي أن تستسلمي طردًا من خلال

البريد الإلكتروني ..

صمتت فاتن للحظة لكنّها ردت :

_ لا أظنّ هذا العمل أصلاً يروقني ..

رمقتها السيّدة آمال وهي تنظر لكعبها العالي :

_ في النّهاية القرار لكِ .. سنزور عدّة أماكن

اليوم .. وسننزل .. ونهبط .. ونصعد .. آمل أن

تستطيعي أن تقرّري بشكل جيّد ما تريدينه بعد

كلّ الخطوات التي ستقدمين عليها ..

نظرت فاتن لحذائها وبابتسامة ماكرة :

_ لا تقلقي سيّدة آمال سأجيد السير بخطوات ثابتة

فأنا معتادة على ذلك ..

وبنبرة عدم رضا :

_ هه .. آمل ذلك !

شعرت فاتن بخيبة أمل لقد أرادت استدارج السيّدة آمال

عن الأماكن التي ستذهبان إليها اليوم لكن يبدو أنّها

حريصة على أن تحتفظ بسير خطة اليوم لنفسها ..

 لا تستطيع أن تخبرها بأنّها اختارت العمل الذي تريده ..

بودّها لو فعلت لتنتهي من هذ الجولة التي لا فائدة

منها في نظرها .. لكنّها لا تستطيع مع الأسف .. بعد 

الذي حدث هذا الصباح .. 

نظرت من نافذة السيّارة في محاولة منها لتفسير

 ما حدث هذا الصباح .. رغم أنّها جلست طوال 

وقتها وهي تفكّر وتضع الافتراضات .. 

 الأمر حقًا محيّر !

                     -    2    -

         انتبهت فاتن على صوت جرس الباب ... كان 

يُقرع بطريقة متواصلة وبشكل مرعب .. نهضت بسرعة

وخوف .. نظرت للساعة إنّها الخامسة والنصف فجرًا ..

نهضت بسرعة .. ونزلت راكضة نظرت من عدسة

الباب .. عقدت حاجبيها ..

طُرق الباب بقوّة .. قالت فاتن بخوف :

_ من ..؟!

_ أنا نسرين .. افتحي بسرعة ..

فتحت فاتن لها الباب فورًا .. دخلت نسرين بقلق

وهي تتلفت  :

_أرجو أن لا يكون أحد قد لاحظني..

_ ما الأمر ..؟! هل حدث شيء ما ..؟!

تملّك فاتن الخوف الشديد حين رأت نسرين ترتدي

معطفًا أسود وتخفي رأسها تحت قبعته ..

ردّت نسرين بعد أن رأت هلع فاتن :

_ لا تخافي .. فقط جئت لأخبرك بأمر مهم ..

_ في مثل هذا الوقت ؟! أنت تخيفينني .. !

_ أعتذر لك حقًا .. وأنا آسفة .. لكنّي تذكرت بأنك

أخبرتني بأنّ جولتك مع السيّدة آمال عصر هذا اليوم ..

وسأذهب لعملي بعد ساعة من الآن .. وسأعود

الخامسة عصرًا .. لذا كان هذا الوقت أفضل وقت

 للحديث ..

_ أترينه وقتًا مناسبًا ..؟!

_ على الأقلّ بالنسبة لكلتينا .. الأمر ملحّ .. أنا آسفة 

لإزعاجك مرّة أخرى ..!

هدأت فاتن قليلاً في حين استطردت نسرين :

_ اسمعي لا أريدك أن تأتي على ذكر الصحافة للسيّدة آمال ..

 ولا حتّى دعوتي لك ..

نظرت فاتن بتعجب ممزوج بخوف وقلق في حين أكملت

نسرين :

_ سامحيني بحقّ  .. يحقّ لك التساؤل والتعجب .. ولكن

 أرجو أن تتفهمي رغبتي .. وأعدك أن أشرح لك الأمر

لاحقًا ..

قالت فاتن بغضب :

_ هل تعتقدين الأمر بهذه السهولة ..؟! تأتين لي

في مثل هذا الوقت وتريدين مني أن أتقبّل ما تقولينه ..

لن أسمح لك بالخروج إلا بعد أن تخبريني ..وإلا لن 

أعدك بشيء !

تنهّدت بقلة حيلة :

_ اسمعي ما فعلناه بالأمس لم يكن مسموحًا لنا به ..

_ ماذا ؟! أعيدي ما قلته ؟!

_ يُعتبر مخالفة من الدرجة الثانية ..

_ مخالفة ..؟! ما هذا الكلام الغريب ..؟

وماذا فعلنا غير أننا اجتمعنا للتعارف ..؟!

_ من الصّعب أن أشرح لك التفاصيل .. الأمر لا يتعلق

بالمبدأ .. لو كنتِ اجتزت الجولة وأنهيتِ أسبوعك

الأول كان الأمر عاديًا ومتاحًا للقائنا في أيّ وقت ..

_ مازلتُ غير قادرة على الاستيعاب ..

_ وأنا لن أستطيع شرح كلّ شيء لك الآن ..

لكنّ الأمر يتعلق بالنزيلات الجديدات ..

أعلم أنّي غامرت لكنّي كنت أحتاج هذا اللقاء ..

أنا آسفة كنتُ أنانية .. لكن أرجوك .. لا تخبري

أحدًا بلقائنا .. ولا تأتِ على ذكر أمر الصحافة ..

_ إنّ هذه الضاحية تمتلئ بالعجائب لا ينقصها إلا

أليس وتكتمل !  

_ أعلم أنّ الأمر غريبًا نوعًا ما لكن هل تعدينني ..؟

_ بماذا ؟!  

_ بعدم إخبار أيّ شخص بأمر دعوة العشاء

وما يتعلّق بها ..

_ لستُ أفهم ما هو الشيء السيء في الأمر ..

نحن لسنا في معسكر ؟

_ أرجوكِ اهدئي .. حاولي أن تتصرفي بطبيعتك ..

تنفست بعمق وهي تقول :

_ سأحاول ..

_ أعدك أن أشرح لك الأمر بعد أن تنهي جولتك 

بكلّ صدق .. والآن ..؟!

نظرتْ إليها فاتن وهي ماتزال تفكّر في حين استطردت

نسرين :

_ ألا ترين أنّها مقايضة عادلة ..؟! هل تعديني ..؟

_ بكلّ صدق ودون أن تخفي عنّي شيئًا ؟!

_ بكلّ صدق ودون أن أخفي عنك شيئًا ..

_ مادام الأمر هكذا .. أعدك ..

وعلى الفور حضنت نسرين فاتن وهي تقول :

_ شكرًا لك ..

فتحت فاتن عينيها .. ماتزال السيّارة في طريقها  

لمبنى البريد .. وماتزال حائرة بشأن نسرين ..

لديها الكثير من الأسئلة حول الأمر .. رغم أنّ

نسرين بدت صادقة إلا أنّ هناك حلقة مفقودة في

تصرّفها ..!

               -    3    -

       كان مبنى مكتب الرسائل يتكوّن من ثلاث 

طوابق ..ويتميّز بحديقة صغيرة أنيقة .. وبوابة كبيرة 

ذات لون بنيّ منقوش عليها ختم وشعار المكتب ..

 الأزهار البيضاء تملأ الساحة الصغيرة..

حين دخلتا وقفتا تنظران حولهما .. المكان

مزدحم رغم ساحة الاستقبال الواسعة والتي

تنتهي بمكتب طويل عليها سيدتان تباشران

مهامهما ..

في تلك اللّحظة خرجت سيّدة على عجلة

من أمرها راكضة وهي تحمل حقيبة رمادية

توقفت وألقت التحية على عجالة ثم قالت :

_ اعذروني .. لقد تأخرت عن موعد العمل ..

وغادرت سريعًا ..

نظرت فاتن وابتسمت بينما واصلتا السير حتى

تحدّثت السيّدة آمال :

_ لدي موعد اليوم معكم ..

وبمجرّد رؤيتها ارتبكت السيّدتان .. واعتذرتا

عن عدم الانتباه لدخولها ثم قامت إحداهما بالنداء :

_ الرجاء من " منال " التوجه مباشرة للاستقبال ..!

ولم تمض دقيقتان ..حتى كانت منال تقف أمامهما

سيّدة متناسقة الجسم .. ترتدي سروالا رماديا

وقميصًا أبيض .. وترفع شعرها الأسود كاملاً

عقدة مرتبة ..

أخذتهما في جولة واسعة وشرح مفصّل ..

تنقلت بين المكاتب .. كانت السيّدات مهذبات

وراقيات ولطيفات للغاية .. كان عددهن تقريبا

خمسة عشر امرأة ..

قمن بالضيافة والاهتمام وكانت أجواء مكتب

الرسائل فيما بدا لفاتن حميمية ودافئة ..

ثم انتقلت للطابق الثاني ..

انبهرت فاتن من حجم العمل الكبير والدقيق

من فرز الرسائل والطرود وطريقة تنظيمها

كان عدد السيدات في الطابق الثاني لا يتجاوز

 الستة  .. وكنّ يجلسن على مكاتبهنّ منهمكات

في الكتابة ..  

استغرقت الجولة لساعة كاملة .. خرجت فاتن

مندهشة للغاية ..

حين ركبت السيارة لم تدر كيف تعبر عن مشاعرها

بعد السخرية التي تشدّقت بها ..

_ لقد كانت جولة مرهقة ..

نطقت السيّدة آمال بهذه العبارة وهي تسترخي

على مقعد السيّارة في حين ردّت فاتن عليها بنبرة

 تمتلئ حماسًا :

_ لكنّها ممتعة ..!

في تلك اللحظة تحرّكت السيّارة .. حينها قالت  

السيّدة آمال :

_ حقًا ..؟! هل أعجبتك ..؟!

_ لقد كانت جولة مبهرة بكلّ تفاصيلها ..

لكنّ فاتن استطردت بكبرياء :

_لكن هذا لا يمنع أن أرى بقيّة الأعمال المتاحة ..

_ حتى لو اخترتِ وقررتِ فواجبي يحتّم عليّ إتمام

الجولة ..

_ لا ، لم أختر بعد .. ربما هناك ما هو أفضل لي

طالما قررتُ العمل ..

_ قررتِ ..

_ نعم، ألم تقولي بأنّه قراري؟ ها أنا قررت العمل ..

ابتسمت السيّدة آمال بتعجب .. ولكنّها قبل أن تردّ على

عجرفة هذه السيّدة التي تجلس أمامها ..

توقفت السيّارة ..نظرت فاتن من النافذة وقالت بدهشة :

_ المستشفى .. !!

ثم التفت بقلق وأمسكت بيد السيّدة آمال :

_هل أنت بخير سيّدة آمال ..؟!

نظرت لها ثم قالت بزهو :

_ مازلتُ شابة القلب لا يغرّك أنّي على أعتاب

الستين .. إنّ هذه الجولات التي أقوم بها لا شيء

أمام الأعمال التي أقوم بها على مدار سنة كاملة ..

ثم تابعت وهي تفتح الباب :

_ إنّه من ضمن الجولة ..!

تبعتها فاتن وخرجت من نفس الباب

وأغلقته وهي تقول :

_ لكنك قلت بأنه ليس في القائمة ثم أني  لست 

طبيبة ..!

_ حدث احتياج طارئ ثم بإمكانك أخذ دورة في 

التمريض ..

_ أهاا ، ممرضة .. !

استمرّت جولتهما نصف ساعة .. كانت جولة عملية

وسريعة بعيدة عن التكلف والمجاملات الودية ..

خرجتا واتجهتا للوجهة الأخيرة  .. لكن أثناء الطريق

قالت فاتن :

_ لا يمكنني احتمال أن أكون ممرضة ..

_ مع أنّها مهنة رائعة .. !

قالت فاتن بانفعال :

_ أعلم ذلك ..لكنّي لا أستطيع تحمّل أيّ شخص

يتألم .. لستُ قويّة كفاية ..

_ كيف عرفتِ أنّك لست قويّة كفاية ..!

_ أنا أدرى بنفسي .. وأعرفُ بها من غيري ..

_ مع أنّي أشكّ في ذلك .. لكن لا تقلقي ..هذه 

هي المهنة الوحيدة التي لا يمكننا إجبار أحد عليها

فمن ستعمل بها عليها أن تقتنع بها قناعة تامّة ..

_ أعلم أنّ القرار قراري في النّهاية سيّدة آمال

ولكن أحببت أن أوضح الأمور من البداية ..

رمقتها السيّدة آمال  بنظرة تنم ّعن عدم رضا ثم

 ردّت :

_ آمل أن تجيدي اختيار ما يناسبك في النّهاية ..

اتسعت عينا فاتن بدهشة لكنّها ضبطت انفعالاتها وقالت :

_ بالطبع أجيد الاختيار .. يبدو أنّك نسيتِ أنّي في سنّ

الرشد والحكمة .. ومؤكد أنّي واعية كثيرًا لأجيد

اختيار ما يناسبني ..

قالت السيدة آمال بسخرية :

_ هه ، حسنًا .. يا صاحبة الرشد والحكمة .. لن

أناقشك في هذا الأمر بتاتًا لأنّ النتائج هي من

تحدّد الأمر في النهاية ..

هزّت فاتن رأسها بإصرار وكأنّها قبلت التحدي

بينها وبين السيّدة آمال  دونما صريح .. رانت

لحظات من الهدوء والصمت .. أغلقت فيها السيدة

آمال عينها .. في حين استسلمت فاتن لأفكارها

التي امتلأت حماسًا وحيوية وانفعالاً :

" سترين ..سأثبت لكِ بأنّي قادرة على تحمّل

نتائج اختياراتي  أيّتها العجوز المستخفة بقدراتي ..

 ما خطبها ..؟!

أحيانًا تبدو أشبه بأمً روحية .. وأحيانًا تشهر سيفها

عليّ .. "

ثم اختلست النّظر للسيّدة آمال :

" أحيانًا أشكّ بأنّها تتلذذ بفرض شخصيتها ووصايتها 

على الآخرين .. كثيرات هنّ من يفعلن ذلك .. لكنّي

لن أسمح لأحد بأن يقرر عني أيّ شيء بعد الآن

حتى لو كان تافهًا .. أو مقنعًا أيضًا .. "!

كانت الشمس على وشك المغيب .. تأمّلت فاتن ذلك

المنظر الآسر .. حيث تلتقي الشمس فيه مع الجبال

البعيدة لتعانق أسطح المنازل .. فتحت النّافذة لتسمح

بالهواء أن يداعب وجهها .. ولكنّ السيارة توقفت

عند وجهتهما ..انتبهت فاتن للوحدة السكنية التي

دخلتها لقد كانت تختلف عن الوحدات التي مرّت بها ..

كانت المنازل أكبر وأكثر فخامة .. كلّ شيء بدا

مختلفًا ومثاليًا أكثر من الوحدات التي رأتها سابقًا..

فتحت السيّدة آمال عينيها بمجرّد أن وقفت

السيّارة .. حين رأت آخر جزء من قرص الشمس

يتوارى علّقت :

_ أظنّ بأننّا سنصلّي المغرب هنا ..!

التفتت فاتن لها وقالت :

_ أين نحن ؟! أقصد ما اسم هذه الوحدة ؟!

ابتسمت السيّدة آمال لها ثم نزلت .. وتبعتها فاتن

على الفور وهي تتلفت يمنة ويسرة :

_ لا أرى أيّ منشأة هنا للعمل .. !

أشارت السيّدة آمال لأعلى المنزل الكبير الذي أمامها

عقدت فاتن حاجبيها وهي تقرأ :

_ مركز الأنشطة والحفلات ..؟!

_ يوجد شاغر هنا .. هيا تعالي معي ..

سارت فاتن معها جنبًا إلى جنب وهي منبهرة

من كلّ شيء حولها حتى السيدات اللاتي يسرن

في الطرقات يختلفن تمامًا عمّن شاهدتهنّ !

-                         -    4    -

        خرجتا من المبنى الساعة السابعة تمامًا .. 

كانت ملامح فاتن متجهمة وتسير بعصبية شديدة

وما إن ركبتا السيارة حتى اندفعت  فاتن بانزعاج 

شديد وغضب  :

_ ما هذا المكان البشع ؟!

التفتت لها السيّدة آمال مذهولة وقالت لها :

_ كيف تجرئين ؟!

_ هل رأيتِ كيف يخاطبنني ..؟! ما هذا الاستعلاء

والتكبّر .. لا أصدق أنّ مثل هذه الكائنات ماتزال

موجودة ..

_ أرجوك اضبطي أعصابك وانفعالاتك وزني كلامك !

_ لقد ضبطها بما يكفي ..

ثم استطردت بانفعال شديد وهي تنظر للسيّدة آمال :

_ لا أصدق أنّي تحمّلت كلّ هذا الحوار السخيف ..

احمدي الله بأنّي لم أنفجر غضبًا أمامهنّ .. ثم حتى

المكان يختلف عن باقي الوحدات السكنية .. منذ

أن دخلت وأنا منبهرة بالمكان جميل لكنّي اكتشفت أنّ

 روحه بشعة ..

رفعت السيدة آمال نبرة صوتها :

_ يجب أن تتعلمي كيف تضبطي انفعالاتك .. تحت أيّ

ظرف وموقف  !

لكن فاتن أكملت بحسرة :

_ أرأيتِ كيف كانت تنظر إليّ ..؟! لا أصدق أنّك

تتجاهلين كلّ هذا .. وتريدين مني أكظم غيظي

وكأنّ الأمر لم يكن ..

تنهدت السيّدة آمال وهي تقول :

_ أنتِ غير معقولة .. !

لكن فاتن تابعت بانفعال دون اكتراث لمحاولات

السيّدة آمال في تهدئتها :

_ أيّ شخص كانت ستكون ردة فعله أسوأ من ردة

فعلي البسيطة هذه .. لقد سخرتْ مما قلتُ .. سخرتْ

وأنا حتى لم أبدأ ! هل أنا قادمة لأجري مقابلة شخصية 

في إعداد الحفلات الضخمة ؟!

ثمّ من قال لها بأنّي أرغب بالعمل لديهم ..هل اتفقت 

سلفًا وقررت نيابة عنّي ؟!

صمتت قليلاً .. وهمّت السيدة آمال بالكلام إلاّ

أنّ فاتن قالت بنبرة أكثر غضبًا :

_ ومن يرغب بالعمل في مكان يعج بالعجائز

اللاتي شارفن على الخرف والــ..

لم تكمل كلمتها .. لأنّ السيّدة آمال صرخت في 

وجهها .. صمتت فاتن .. وحتى السائقة أوقفت

 السيّارة بشكل مفاجئ .. والتي  سيطر عليها

التوتر والقلق أيضًا  .. في حين اتسعت عينا السيّدة

آمال بغضب  :

_ ماذا دهاك ..؟! هل نسيتِ نفسك ..؟! أحاول تهدئتك

 منذ فترة وأنت لا تستجيبين .. أحاول أن أجيب على

 تساؤلاتك لكنك لم تتركي لي أي مجال .. سوى هذه

 الطريقة الغوغائية ..!

من تظنين نفسك ..؟! قلتِ رأيكِ انتهى الأمر .. لكن

لا تتطاولي على الجميع .. سيّدة واحدة هي التي

أخطأت بحقك .. لماذا هذا التعميم ؟!

رانت لحظة صمت مهيبة .. هدأت فيها فاتن بعد صدمة

 الصرخة ..  استطردت السيّدة آمال بعد أن أخفضت

صوتها :

_ لقد أخطأتِ الآن على جميع السيّدات الكبيرات ..

شعرت فاتن بحرج كيف أنّها أطلقت هذه الأوصاف

وعممّتها .. كانت أنفاسها متلاحقة ثم أخذت نفسًا

عميقًا في حين قالت السيّدة أمال :

_ إنّ تصرّفك هذا لا يختلف أبدًا عن المراهقات ..

التفتت فاتن لها بصدمة إلا أّنها أكملت بجدية 

وصرامة :

_ نعم ، أعني ما أقول .. فالراشدون والحكماء

 لا يتصرفون هكذا أبدًا ..

زمّت فاتن شفتيها ثم قالت بصوت مكتوم :

_ أنا أعتذر .. أعتقد أنّ الصدمة كانت أكبر مما

توقعت ..

ردّت بحزم :

_ عذرك غير مقبول حاليًا ..

_ ماذا ؟!

التفتت السيّدة آمال للسائقة :

_ يمكنك التحرّك الآن ..

قالت السائقة بتردد وخوف :

_ أعتذر عن التوقف فجأة ..

_ لا بأس ، انطلقي الآن إلى منزل السيّدة

فاتن ..

تحرّكت السيّارة بعد أن ساد الهدوء والتزمتا

الصّمت .. كان طريق العودة طويلاً جدًا أو على

الأقلّ هذا ما شعرت به فاتن  ..

              -    5    -

       أغلقت فاتن الباب بغضب بعد أن دخلت 

المنزل رمت حقيبتها على الكرسي الموجود أمامها ..

كانت تدور جيئة وذهابًا .. اغرورقت عيناها

بالدموع .. شعرت بالاختناق .. صعدت لغرفتها

وجلست على أريكتها ..

مسحت دموعها وهي تنظر من نافذتها ..

ثم نهضت وأخذت تسير في أرجاء المنزل

وتتحدّث بغضب :

_ لقد أساءت إليّ بسبب تلك العجوز الشمطاء ..

لا أصدق أنّها نظرت بعين واحدة .. قالت عني

مراهقة .. يا للفظاعة !

هل عليّ أن أكون كالقطّة العمياء ..؟!

أو كالآلة التي لا تشعر .. نعم ، هم يريدوننا

هكذا نسير كالبلهاء مسلوبي الإرادة .. لـكـ

_ هل أنت بخير ..؟!

صرخت فاتن بخوف ممزوج بصدمة !

             .. يــتـــبـــع ..

                      الكاتبة

                   حنان الغامدي



هناك تعليقان (2):

  1. رااااااائع حكاية كلها جمال وإلهام 😻😻😻نريد التكملة رجاء

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لاهتمامك .. هاهي التكملة حتى الفصل العاشر بين يديكم .. : )

      حذف

أعـــزائي الكــرام ...

حتى تستطيعوا التعليق يمكنكم اختيـــار

التعليق بـاسـم :URL الاســــم / العنوان

أشــــــــرف بقـــــــراءة تعـــليقـــاتكـــم ...

فـــرأيكــــم محـــــــطّ اهـــتمـــــــامي ....

<<
<<
<<